[خطبة في ذكرى الغدير]
  أيها المؤمنون، إننا نعيش هذه الأيام ذكرى فرحة عظيمة، ونعمة جسيمة أتمها الله علينا بإكمال الدين القويم والنهج المستقيم، في يوم شهدت له الأرض والسماء، وذاع صيته في شتى بقاع العالم، احتفل به أفضل الخلق محمد ÷ واستمع فيه للأدباء والشعراء في مهرجان حافل، ولنا فيه وبه خير أسوة في كيفية تعظيم شعائر الله وأيامه - ألا وهو اليوم الثامن عشر من شهر ذي الحجة الحرام من كل عام، فهو يوم عيد الله الأكبر وعيد أوليائه، روي أن الله تعالى ما بعث نبيئاً إلا وهو يُعَظِّم ذلك اليوم ويحفظ حرمته؛ لأنه يوم نصب الأوصياء كما جاء في بعض المرويات، وهو اليوم المسمى في السماء يوم العهد المعهود، وفي الأرض يوم الميثاق المأخوذ والجمع المشهود، وهو يوم إكمال الدين وإتمام النعمة على العالمين بولاية أمير المؤمنين وسيد الوصيين علي بن أبي طالب عليه صلوات رب العالمين.
  وذلك أن في السنة العاشرة للهجرة حج رسول الله ÷ حجة الوداع، وبعد إكمال الحج وتعليم الناس مناسكهم توجه بمن معه من الحجيج راجعاً إلى المدينة، وعند بلوغه في غدير خم وهو موضع بين مكة والمدينة عند مفترق الطرق، أمر بدوحات فقمم ما تحتهن من شوك، وكان ذلك وقت الهاجرة، فأرسل على من تقدم بالرجوع وانتظر للمتأخرين، حتى تكامل الناس وكانوا زهاء مائة وعشرين ألفاً، فنادى مناديه: «الصلاة جامعة» وصلى بالناس صلاة الظهر ثم التفت إليهم وقام فيهم خطيباً فقال:
  «الحمد لله نحمده ونستعينه ونؤمن به ونتوكل عليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، الحمد لله الذي لا هادي لمن أضل ولا مضل لمن هدى.
  وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمداً عبده ورسوله، أما بعد: أيها الناس، فإنه لم يكن لنبيء من العمر إلا نصف ما عمر من قبله، وإن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة، وإني قد أشرعت في العشرين، ألا وإني يوشك أن أفارقكم، ألا وإني مسؤول وأنتم مسؤولون، فهل بلغتكم؟ فماذا أنتم قائلون؟».