درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

فضل النصيحة وحسن المعاملة

صفحة 47 - الجزء 1

  نفسه أكبر من النصيحة والناصح، دون أن ينظر إلى النصيحة نفسها ويحلل معناها ويدرسها بجد وواقعية.

  ففي الوقت الذي سلك المسلمون خلاف دينهم يؤكد الإسلام ويكرر الطلب من المسلمين أن يبذلوا النصيحة لبعضهم البعض، وليست التي يكتسب بها الناصح ود المنصوح، أو التي توافق مزاجه وتوفر له الرضا والارتياح، بل يجب أن تكون النصيحة حتى فيما كان ثقيلاً عليه وقاسياً على سمعه وقلبه، إذا كانت النصيحة صحيحة وسليمة ولها حقيقتها وواقعيتها، يجب أن تكون النصيحة من المسلم لأخيه المسلم مطلقة فيما أحب وفيما كره؛ لأن النصيحة في الحالتين معاً تعود عليه بالنفع والصلاح.

  وهذه هي غاية الأخوة، وهذا هو هدفها البعيد، يقول الإمام الصادق # ما معناه: «عليكم بالنصح لله في خلق الله، فإنكم لا تلقون عملاً أفضل منه».

  هذه هي الفقرة الأولى من الوصية، ثم يقول #: (وتجرع الغيظ فإني لم أر جرعة أحلى منها عاقبة ولا ألذ منها مغبة) هكذا يقول الإمام # وهو الوحيد في الشجاعة المتمكن من أخذ حقه من أي فرد كان، إنه يفضل كظم الغيظ على الانتقام.

  ما أجمل هذا الإنسان وما أعظمه عندما يعلو على غضبه، ويترفع عن تفجير ضربة قاصمة أو كلمة قاسية أو صرخة! ما أروع الإنسان عندما يبتسم ثغره وجوفه يغلي، ويضحك سنُّه وقلبه يكاد ينفجر من الغضب، هذا هو الحلم الممدوح، حينما يقابل الإنسان الإساءة بالإحسان: {ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ ٣٤ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ ٣٥}⁣[فصلت].

  يحلم عمن جهل عليه، ويحاور بالكلمة الطيبة مقابل الكلمة المؤذية من خصمه، وبالنظرة العطوفة دون أن يثأر أو ينفجر في وجه خصمه.

  كظم الغيظ أن تحبس غضبك مها كانت أسبابه، وتعيش مع من أثارك باللين