[في بر الوالدين]
  لقد أكد الله سبحانه وجوب احترام الوالدين، وقرن الإحسان إليهما بتوحيده، وضيق على الأولاد في مراعاة الوالدين إلى حد أنه لم يرخص في أدنى كلمة من التضجر حتى ولو كانت من نوع التأفف، وحث على استبدالها بالقول الكريم، المقرون بالاحترام والتصاغر والتواضع في مقابلتهما حيث يقول: {وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ}.
  وفي آية أخرى قرن شكره بشكرهما، فجعل الله شكر الشاكرين لأنعمه التي لا تحصى جعله مرتبطاً ومتمماً لشكر الوالدين، والوقوف بين أيديهما موقف الذليل فقال: {أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ ١٤}[لقمان].
  أيها المؤمنون، إن هذا ليس بكثير في حقهما ولا بغريب، فلو فكر الإنسان ورجع إلى الوراء قليلاً ليستعيد تلك المواقف التي يقفونها لإسعاد أبنائهم، ويسهرون الليالي المتتابعة حول مهادهم، لا يجد النوم إلى جفونهم سبيلاً حتى تلين المضاجع لجنوب أبنائهم، وحتى يغلب الأبناءَ سلطانُ النوم، فحينذاك تطيب أنفس الأبوين فيهجعون قليلاً، وكم جاع الآباء ليُشبعوا الأبناء، وكم كابد ولاقى الآباء من متاعب وآلام من أجل إسعاد الأبناء، وهذا شيء محسوس ملموس عند الناس.
  ولكم جاد الآباء بأجود ما لديهم ليضاعفوا غبطة الأبناء وسرورهم، وكم لاقوا في سبيل تربية الأبناء على الوجه الأكمل ليشق الأبناء طريق السعادة في الدنيا والدين - فلذلك ولما هو أكبر من ذلك أوجب الله برّهما ومصاحبتهما بالمعروف حتى ولو كانا مشركين، فكيف بهما إذا كانا من المؤمنين العاملين بما أمر الله ورسوله؟
  اسمعوا ما يقول الله في شأن الأبوين المشركين: {وَإِنْ جَاهَدَاكَ عَلى أَنْ تُشْرِكَ بِي مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ فَلَا تُطِعْهُمَا وَصَاحِبْهُمَا فِي الدُّنْيَا مَعْرُوفًا وَاتَّبِعْ سَبِيلَ مَنْ أَنَابَ إِلَيَّ}[لقمان: ١٥].
  فعلى الأولاد الرعاية الكاملة للأبوين، والقيام بحقوقهما أتم قيام، وسواء كان الأبوان على الحياة أم لا؛ إذ لا تنتهي حقوقهما بالموت، فقد جاء في بعض المرويات أن رجلاً من بني سلمة كان باراً بأبويه فلما ماتا جاء إلى النبي ÷ فقال: