درر الفرائد في خطب المساجد،

عبد الله بن صلاح العجري (المتوفى: 1427 هـ)

[خطبة فيما للأبناء على آبائهم]

صفحة 60 - الجزء 1

  ورسول الله ÷ يقول: «إن الله يسأل كل راع عما استرعاه أحفظ أم ضيع حتى يسأل الرجل عن أهل بيته»⁣(⁣١).

  وهنالك مرويات عديدة، كلها تؤكد حق الأبناء على الآباء في الرعاية والعناية، والبذل السخي والتأديب الصحيح، تؤكد حقوق الأبناء على الآباء في تربيتهم تربية إسلامية، وتهذيبهم وتلقينهم أصول الإسلام وأحكام الإسلام، وكان رسول الله ÷ يقول فيما يروى عنه: «من حق الولد على الوالد أن يحسن اسمه وأدبه وكنيته»⁣(⁣٢)، وأن يعلمه كتاب الله وأحكامه فإن ذلك أجدى للولد من المال المكنوز الذي يبدده الحمقى من الأولاد في يوم أو بعض يوم.

  واعلموا أيها المؤمنون، أن من التدليل الظالم والخطر الداهم هو الإهمال من الآباء لأبنائهم، وعدم البحث بدقة عما يقرأون وعما يعملون، ومن يصحبون وبمن يثقون، فالمرء على دين خليله كما روي ذلك عن رسول الله ÷.

  وقد تعرض القرآن الكريم لما يجب للأبناء على آبائهم ولكنه لم يتوسع كما توسع فيما للآباء على الأولاد، وذلك لأن العقوق إنما يكون غالباً من الأبناء، ولذلك كان القرآن حريصاً على استئصال هذه الظاهرة بالترغيب والترهيب.

  أما الآباء فإن عاطفتهما على الأبناء متأصلة وملازمة لطبائع الآباء، وسواء في ذلك الإنسان وغيره من الحيوانات، وما أكثر الآباء الذين تجرهم هذه العاطفة على الأبناء إلى معصية الله، بالتغاضي عن سيئاتهم، وقد تتحكم العاطفة على الآباء أحياناً حتى يصبح يرى سيئات أبنائه حسنات، وهذا شيء محسوس وملموس ومشاهد لدى كثير من الناس.

  ولقد شاهدنا أناساً تجره عاطفته إلى إهمال أبنائه، وإلى عدم قبول نصيحة الناصحين، فسببت له عاطفته الخرقاء إلى تحمل المشاكل والمتاعب، وإلى تعريض


(١) رواه الإمام أبو طالب في أماليه عن أنس.

(٢) رواه الإمام أبو طالب في أماليه عن أنس بلفظ: يا رسول الله، قد علمنا ما حق الوالد على الولد، فما حق الولد على الوالد؟ قال: «أن يحسن اسمه ويحسن أدبه» بدون «وكنيته».