الإمام يحيى بن عبدالله (ع)
  مع الناصر الأطروش #، فلما استقرَّ في بلاد الديلم وافاه من المائة الألف سبعون رجلاً.
  وبلغ الخبر هارون الرشيد، فضاقت عليه الأرض برحبها، وقطع الخمر، ولبس الصوف وافترش اللبود، وأظهر العبادة، وجمع عسكراً عظيماً قائده الفضل بن يحيى البرمكي فيه خمسون ألف مرتزق غير الأتباع، فيهم صناديد وقواد، وما استقل له الجيش إلا بخمسين ألف ألف دينار، وَحُمِلَتْ معه أموال جليلة للنفقات مع أموال المشرق التي بين يديه، وأمره أن يبذل لجستان ما انتهت إليه بغيته، وكذلك أوصاه أن يعرض على يحيى كل أمرٍ يحبه من أموال وقطائع، وصيانة جانبه، واحترام شيعته وشيعة أهل بيته $، وأن يسكن من أرض الله حيث أحبّ، وقد كان هارون أودع الفضل كتاباً إلى يحيى إن امتنع عليه جستان فيه الأمان بأوثق ما يدخل تحت الإمكان، وبذل له من المال ألف ألف، وألف ألف، وألف ألف - أي ثلاثة ملايين -، ومن القطائع ما أحبّ، وأن ينزله من البلاد ما شاء، وحيث شاء.
  فكتب يحيى إلى هارون جواب كتابه: ﷽، أما بعد، فقد فهمتُ كتابك وما عرضتَ عليَّ من الأمان أن تبذل لي أموال المسلمين، وتُقْطِعَني ضياعهم التي جعلها الله لهم دوني ودونك، ولم يجعل لنا فيها نقيراً ولا فتيلاً، فاستعظمتُ الإستماع له فضلاً عن الركون إليه، واستوحشت منه تنزّهاً عن قبوله، فاحبس عني أيها الإنسان مالك وإقطاعك، وقضاء حوائجي، فقد أدَّبَتْني أدباً ناقصاً - يعني أمه # -، وولدتني عاقاً، فوالله لو أن مَنْ قُتِلَ من أهلي تُركاً وديالم على بعد أنسابهم مني وانقطاع رحمهم عني لوجبت علي نصرتهم والطلب بدمائهم، إذ كان منكم قتلهم ظلماً وعدواناً، الله لكم بالمرصاد لما ارتكبتم من ذلك، وكفى بالله جازياً ومعاقباً وناصراً لأوليائه، ومنتقماً من أعدائه.