الإمام يحيى بن عبدالله (ع)
  ناجى الله مجتهداً، وعنى لله متخشعاً؛ مشوهاً بالعمد، مظلوماً مقتولاً ممثولاً به معنوفاً، وبالله أن لو لم يلق الله إلا بقتل النفس الزكية أخي محمد بن عبدالله ¦ للقيه بإثم عظيم، وخطب كبير، فكيف وقد قتل قبله النفس التقية - أبي عبدالله بن الحسن - وإخوته وبني أخيه، ومنعهم روح الحياة في مَطَابِقِه، وحال بينهم وبين خروج النَّفَس في مطاميره، لا يعرفون الليل من النهار، ولا مواقيت الصلاة إلا بقراءة أجزاء القرآن تجزئة، لما عانوا في آناء الليل والنهار حين الشتاء والصيف حال أوقات الصلاة، قرماً منه إلى قتلهم، وقطعاً منه لأرحامهم، وَتِرَةً لرسول الله ÷ فيهم.
  فولغ في دمائهم وَلَغَان الكلاب، وضرى بقتلهم صغيرهم وكبيرهم ضراوة الذئاب، ونهم بهم نهم الخنزير، والله له ولمن عمل بعمله بالمرصاد.
  فلما أهلكه الله قابَلْتَنا أنتَ وأخوك الجبّار الفضّ الغليظ العنيد، بأضعاف فتنته، واحتذاء سيرته، قتلاً وعذاباً وتشريداً وتطريداً، فأكلتمانا أكل الرُّبَّا(١) حتى لفظتنا الأرض خوفاً منكما، وتأبَّدْنا بالفلوات هرباً عنكما، فأَنِسَتْ بنا الوحوش وأَنِسْنا بها، وألِفَتْنَا البهائم وأَلِفْنَاها، فلو لم تجترم أنت وأخوك إلا قتل الحسين بن علي وأسرته بفخ لكفى بذلك عند الله وزراً عظيماً، وستعلم وقد علم ما اقترف، والله مجازيه وهو المنتقم لأوليائه من أعدائه.
  ثم امتحننا الله بك من بعده، فحرصت على قتلنا، وظلمت الأول والآخر منا، لا يؤمنهم منك بعدُ دار، ولانأْي جار، تتبعهم حِيَلك وكيدك حيث تستّروا من بلاد الترك والديلم، لا تسكن نفسك ولا يطمئنّ قلبك دون أن تأتي على آخرنا، ولا تدع صغيرنا، ولا ترثى لكبيرنا، لئلا يبقى داع إلى حق، ولا قائل بصدق من أهله، حتى
(١) قوله: الربا كحبلى: الشاة إذا ولدت، وإذا مات ولدها، والحديثة النتاج. انتهى من القاموس.