الإمام يحيى بن عبدالله (ع)
  أخرجك الطغيان، وحملك الشنآن، على أن أظهرت بغضة أمير المؤمنين، وأعلنت بنقصه، وقرّبت مبغضيه، وآويت شانئيه، حتى أربيت على بني أمية في عداوته، وأشفيت غلتهم في تناوله، وأمرت بكرب قبر الحسين بن علي ª، وتَعْمِيَةِ موضعه، وقتل زوّاره، واستئصال محبيه، وأوعدت زائريه، وأرعدت وأبرقت على ذكره.
  فوالله لقد كان بنو أمية الذين وضعنا آثارهم مثلاً لكم، وعددنا مساوئهم احتجاجاً عليكم - على بعد أرحامهم - أرأف بنا، وأعطف علينا قلوباً من جميعكم، وأحسن استبقاءاً لنا ورعاية من قرابتكم، فوالله ما بأمركم خفاء، ولا بشنآنكم امتراء، ولم لا تجاهَدُ وأنت معتكف على معاصي الله صباحاً ومساء، مغتراً بالمهلة، آمناً من النقمة، واثقاً بالسلامة، تارة تغري بين البهائم بمناطحة كبش ومناقرة ديك ومحارشة كلب، وتارةً تفترش الخصيان، وتأتي الذكران، وتترك الصلوات صاحياً وسكران، لا يشغلك ذلك عن قتل أولياء الله، وانتهاك محارم الله، فسبحان الله ما أعظم حلمه، وأكثر أناته عنك وعن أمثالك، ولكنه تبارك وتعالى لا يعجل بالعقوبة، وكيف يعجل وهو لا يخاف الفوت، وهو شديد العقاب.
  فأما ما دعوتني إليه من الأمان، وبذلت لي من الأموال، فمثلي لا تثني الرغائب عزمته، ولا تنحل لخطير همته، ولا يبطل سعياً باقياً مع الأيام أثره، ولا يترك جزيلاً عند الله أجره بمال فانٍ وعارٍ باق، هذه صفقة خاسرة، وتجارة بائرة، أستعصم الله منها، وأسأله أن يعيذني من مثلها بمنّه وطوله.
  أفأبيعُ المسلمين وقد سَمَتْ إليَّ أبصارهم، أفأبيع خطيري بمالكم، وشرف موقفي بدراهمكم، وألبس العار والشنار بمقامكم، لقد ضللت إذاً وما أنا من المهتدين.
  والله ما أكلي إلا الجشب، ولا لبسي إلا الخشن، ولا شعاري إلا الدرع، ولا