الإمام أبو طالب الأخير (ع)
  نواحي اليمن الأقصى، وأمَرَه أن يَسْتَشْعِرَ طاعةَ الله وتَقْوَاه، ويُؤْثِرَ مُرَادَهُ ورِضَاه، فيما أَعْلَنَ من أَمْرِهِ وأَخْفَاه، وأن يدَّرِعَ دِرْعَ طَاعَتِهِ كُنْهَ قُدْرَتِهِ واسْتِطَاعَتِهِ، وليحكم بما أنزلَ الله، {وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ٤٥}[المائدة]، وليعلم أنه علاّم الغيوب، وبِيَدِه أزِمَّة القلوب، {يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ١٩}[غافر].
  وأمره بتقديم الحُجَجِ القاطعة، والبراهين السَّاطعة، فيما يُسْتَنْبَطُ منه العلم، ويُسْتَخْرجُ منه الحُكْم، فيبدأُ بأَعْلاها طَبَقَةً، وأَسْناها دَرَجَةً، وأسبقها حِكْمَة، وهو الحقُّ اليقين، والنُّورُ المبين، كتابُ الله العزيز، وحِرْزُهُ الحَرِيز، المُنْجِي من الرَّدى، والمُزْجِي نحوه الهدى، والمصْبَاحُ الأَزْهر، والصَّباح الأَنْوَر، والمَهْيَعُ الأَلْوَح(١)، والمَشْرَع الأَرْوَح(٢)، والمتينُ الذي لا يَتَضَعْضَع، والمَكِيْنُ الذي لا يَتَزَعْزَع، يَجِدُ عنده الأمْن والأُنْس، وعجز عنه الجنُّ والإنْس، وانْتَفَى عنه العمى واللّبْس، شفاءٌ لما في الصّدور، ورَحْمَةٌ للمؤمنين، فَمَهْمَا حَزَبَه(٣) مُشْكِل، أوْ دَهَاهُ حُكْمٌ مُعْضِل، فزع إلى نُصُوصِهِ، وفَحَصَ معنى عُمُومِهِ وخُصُوصِهِ، وأْتَمَرَ بأَوَامِرِهِ، وانْزَجَرَ عن زَوَاجِرِه، وقامَ بِحُدُوْدِهِ، وعَمِلَ بِعُهُودِه، ولم يَعْدُه إلى ما عَدَاهُ، ما وَجَدَ فيه نَصاً أو فَحْواه.
  وأَمَرَهُ إنْ أَعْوَزَهُ في هذه المظنَّة أن يتطلَّبه فيما يتلوه من السنَّة، فيتَّخِذَهُ للقضاء فَصْلاً، سواء ثَبَتَ قَوْلاً أو فِعْلاً، فهو الحجَّة الثانية للقرآن، والمحَجَّة التالية للفرقان، والمضاهِي له في الحجَّة، وإنْ فاضله في البَهْجَةِ، والمُدَاني في الإيْجَاز، وإنْ لم يَبْلُغ حَدَّ الإعْجَاز، {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى ٣ إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى ٤}[النجم]،
(١) أي الطريق الواضح.
(٢) أي المورد الواسع.
(٣) حَزَبه الأمر: نابه واشتدَّ عليه.