التحف شرح الزلف،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

الإمام أبو طالب الأخير (ع)

صفحة 225 - الجزء 1

  إذا تَوَاتر أوْجَب العِلْم والعَمَل، وإذا تَقَاصَرَ فرُوِيَ بطريق الآحاد لَزِم العَمَل، وإن تعَارَض الخَبَرَان، وتَنَاقَضَ المُخْبرَان، فَسَبِيْلُ المُجْتَهِدِ أنْ يَبْحَثَ عن التارِيخِ، فإنْ وُجِدَ وإلا عَمِلَ على التَّرْجيح، فأَخَذَ عِنْدَ ذلك بالتَّحْقِيْق، وسَلَكَ فيهما طَرِيْقَةَ التَّلْفِيْق، إنْ دُفِعَ فيهما إلى المضيق، أو يَعْدِلُ إلى ما سِوَاه من الدّليل، إن لم يُمْكِن التأْوِيْل، ففي السُّنّة الخروج من السِّنَة، {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ}⁣[الأحزاب: ٢١]، فَسَبِيْلُ المُجْتَهِدِيْنَ أنْ يَنْتَبِهُوا، {وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا}⁣[الحشر: ٧].

  وأَمَرَهُ إذا أَعْوَزَهُ ما تَعَلَّقَ من هذَيْن بالسَّماعِ، إلى طَلَبِ شَاهِدِ الإجْمَاع، فالإجْماع يجري بعدَ الكِتَاب والسنّة، للمُتَمَسِّكِيْنَ به مَجْرَى الجُنَّة، والطريْق الهادِية إلى الجَنَّة من حيث دلَّ الأَوَّلان⁣(⁣١) عليه، وأَشَارَ الأَفْضَلانِ إليه، فمَهْما وَجَدَ في إِجْمَاعِ العِتْرَةِ مَنْدُوْحَةً عمّا عَدَاها، سَاقَ مَطِيَّةَ الطَّلَبِ إليه وحَدَاها، فإن وَجَدَهُمْ مُوَافِقِيْنَ لِسَائِرِ الأُمَّة، كان المدارُ عليهم لجَلاءِ الغُمَّة.

  إلى أنْ قال: طَلَبَ الحقَّ من أَقْوَالِ ذي العِصْمَةِ من الأئمّة، فذلِكَ يَقُوْمُ مقام قَوْلِ نبيّ الرَّحْمة، وهم الوصيّ والسِّبْطان، عليهم صلوات الملِكِ الديَّان، وإليه أَشَارَ الرسولُ لمن سَمِعَهُ حيث يقولُ: «عليٌّ مع الحقِّ والحقّ معه»⁣(⁣٢).

  وأَمَرَهُ إذا لم يَجِدْ شِفَاءَ الصّدُوْرِ في هذه الآساس، أنْ يَفْزَعَ إلى الاسْتِنْبَاط والقِيَاس، ويتأنّق في رَدِّ الفُرُوْعِ على الأُصُوْل، لِيَظْفَرَ من الغَرَضِ بالمَحْصُوْل، مُتَّخِذاً فِكْرَهُ مَطِيَّةَ الوصُول، فما وَجَدَ له أَصْلاً عَتِيْداً، ورُكْناً وَطِيداً، وأَسَاساً


(١) يعني: الكتاب والسنة.

(٢) انظر البحث المستوفى حول أحاديث لزوم علي (ع) للحق ومخرّجيها في كتاب لوامع الأنوار في جوامع العلوم والآثار لوالدنا الإمام الحجة مجدالدين بن محمد المؤيدي (ع)، ج ١/ص ١٤٧/ط ١، ج ١/ ص ٢٠٥، ط ٢، ج ١ - ص ٢٩٣، ط ٣.