الإمام المهدي أحمد بن يحيى بن المرتضى (ع)
  إلا ذلك فلم لا يقولون هي ثابتة في القدم، فما بال الفرق بين الأزل والقدم، لأن الله سبحانه وتعالى عالم بما كان وما يكون، ومالم يكن لو كان كيف كان يكون، وعِلْمُ الله لا يقتضي التخيل والتصور: {لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ}[الشورى ١١]، فإن كان قصدهم بالثبوت هو صحة العلم بها ونحوها - وقد صرَّحوا بأنها غير ثابتة في القدم - فإذاً مقتضى كلامهم أنَّ الله لا يصح أن يعلمها في القِدَمِ، ولا يصح أن يحكم عليها، وهل هذه إلا جهالة لا محالة، فإن قالوا: إنما أردنا أنه لا يعلمها في القدم، أي لا يعملها كائنة أو موجودة على معنى قوله تعالى: {وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ}[آل عمران ١٤٢]، أي مجاهدين، لأنه لم يكن قد وقع منهم جهاد، وإنما هو متوقّع، أفاد ذلك (لمَّا)، قال الإمام الهادي إلى الحق يحيى بن الحسين @ في المسترشد في بحث صفات الأفعال، وقد كان سبحانه وجل عن كل شأن شأنه، ولما يفعل الجود والرحمة، والعفو والإحسان والنعمة، ثم فعلها، فأتى الإمام بلمّا حيث كانت هذه الأفعال من الله متوقّعات، وأما أنهم سيجاهدون أو لا يجاهدون فهو يعلمه كذلك جل وعلا.
  قلنا: فعلى هذا أما في الأزل فقد علمها كائنة موجودة، فإن قالوا: إنما قلنا: بأنها ثابتة في الأزل دون القدم تحاشياً ودفعاً للإيهام.
  قلنا: فقد وقعتم فيما هو أشد، وكنتم كما قال:
  وكُنْتُ كالآوِيْ إلى مَثْعَبٍ ... موَائِلاً من سَبَل الرَّاعِد
  والذي تقرَّر أن أصل هذا كلّه تَشْكِيْكُ الفلاسفة في التعلّق، وأنه مَحَالٌ تعلّق العلم والقدرة بالمعدوم، فأمّا هم فثَلَمُوا السّور وبَنَوْا على هذا قِدَمَ العالم، وأما المعتزلة أعني جمهورَهم، فقالوا: بل ذَوَاتُ العالم ثابِتَةٌ في الأَزَلِ ليصحّ تعلّق العلم بها، وليست بموجودة ولا أعيانها، واصْطَلَحُوا على حقائق للذّوَات والأعيان والثبوت والوجود، وغير ذلك مما هو مشروح في علْم الكلام، هذا هو