التحف شرح الزلف،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

بحث في الزيارة والتوسل:

صفحة 348 - الجزء 1

  لحجره، والتمسح به، والتذلّل لله عنده، والإهراع إليه من كلّ فجٍّ عميق، ومكان سحيق: {وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا}⁣[آل عمران: ٩٧]، {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ}⁣[المائدة: ٩٧]، {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ ٣٢}⁣[الحج: ٣٢]، وكذلك أذن الله أن ترفع جميع بيوته، وهي حجارة لا تضرّ ولا تنفع، ولا تبصر ولا تسمع، فلم يكن ذلك شركاً له تعالى ولا عبادة لغيره ولا قبيحاً، لماّ أذن الله به، بخلاف تعظيم الأصنام، وطيافة من طاف حولها من الأنام، واعتقاد شفاعتها عند ذي الجلال والإكرام، لماّ كان مما لم يأذن به الله ولم يشرعه، فلذا قال: {شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ}⁣[الشورى: ٢١].

  والذي وردت الأخبار به من النهي عن اتخاذ القبور مساجد، لئلا يتشبه باليهود، والصلاة إليها وعليها فمذهب آل محمد ÷ القول بموجبه، لصحّة النهي عن ذلك، وقد ورد النهي عن الصلاة في غيرها كالحمام والطرقات، كما قرر ذلك في مسائل الفقه، وكما أمر رسول الله ÷ أمير المؤمنين # أن لا يدع قبراً مشرفاً إلا سواه، وذلك العهد في أثر المشركين.

  هذا، والمعلوم أن تعظيم شيء غير الله كتعظيمه جلّ وعلا أو إشراكه في العبادة، أو اعتقاد أن له تأثيراً فيما لا تأثير فيه إلا لله وحده، ضلالةٌ وشِرْكٌ، وكلّ تقرّب إلى الله وتعبّد له بما لم يشرعه من البدع المضلّة، ولكن حاشا الله أن يفعله العالمون بالله الموحدون له، سبحانك اللهمّ هذا بهتان عظيم {سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ ١٨٠ وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ ١٨١ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ١٨٢}⁣[الصافات].

  وقد أتينا بهذه العجالة وإن لم يستوف فيها الكلام لكونها قد توسعت دائرة الفتنة، وتصورت الشبهة في أذهان كثير ممن لا قدم لهم في العلم، وليسوا فيه براسخين في مثل هذه الأعصار، التي صار الإسلام فيها غريباً، وجناب الجهالات والضلالات منيعاً رحيباً، {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ