[(تنبيه): بعض أهل العربية يحكمون على أدوات العموم إذا كانت في حيز النفي بعموم السلب، فلا وجه للإنتقاد على الإمام المنصور بالله عبدالله بن حمزة (ع)]
  الجبر والظلمة، ونبذ العدل والحكمة، وزاغ عن الهدى والرحمة، وقد قرع سمعه قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ ١٨}[آل عمران: ١٨]، وقوله تعالى: {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعَالَمِينَ ١٠٨}[آل عمران: ١٠٨]، {وَمَا اللَّهُ يُرِيدُ ظُلْمًا لِلْعِبَادِ ٣١}[غافر: ٣١]، {وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ٢٠٥}[البقرة: ٢٠٥]، {وَلَا يَرْضَى لِعِبَادِهِ الْكُفْرَ}[الزمر: ٧].
  وقالت الجبرية: بل أراده وشاءه، وخلقه وارتضاه، فأبطلوا حجّة الله على خلقه بإنزال كتبه، وإرسال رسله، ونهيه وأمره، وتهديده وزجره، وأَسْقَطَتْ عن أنفسها التكليف، وتلعّبت بالدين الحنيف، وقالوا كما حكى الله في الذكر الحكيم: {سَيَقُولُ الَّذِينَ أَشْرَكُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَكْنَا وَلَا آبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَيْءٍ كَذَلِكَ كَذَّبَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ ١٤٨}[الأنعام: ١٤٨]، ولما كان في قولهم إسقاط الحجة ردّ عليهم بقوله تعالى: {قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ}[الأنعام: ١٤٩]، أي إذا ثبت أنهم كذبوا كما كذب الذين من قبلهم، وألاّ علم عندهم، وما يتبعون إلا الظن، وما هم إلا يخرصون، فقد ثبتت الحجة لله على خلقه، وأنه سبحانه ما شاء إتيانهم القبائح، وارتكابهم الفضائح، {فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ ١٤٩}[الأنعام: ١٤٩].
  فأخبر أنه لو شاء أن يجبرهم بالقهر والقسر لهداهم أجمعين، ولكنه جل وعلا مكّنهم من الأمرين، وبيّن لهم النجدين، وركّب فيهم العقول، وأرسل إليهم الرسول، ولو أكرههم لسقطت حكمة التكليف، وبطل مراده، وكانت الحجة عليه لا له على عباده، {وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ تَرَى الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى اللَّهِ وُجُوهُهُمْ مُسْوَدَّةٌ أَلَيْسَ فِي جَهَنَّمَ مَثْوًى لِلْمُتَكَبِّرِينَ ٦٠}[الزمر: ٦٠]، ثم إنهم في زعمهم ليس لهم على صحّة دينهم برهان قاطع، ولا بيان ساطع، يجوِّزون الكذب الصراح في كل ما أتى