[ذكر طرف من الطرق المسلسلة]
  به الشارع لقولهم إنه لايقبح منه قبيح، ولنفيهم التحسين والتقبيح بالعقل، موادهم سقيمة، وأشكالهم عقيمة، طرق عادتهم منسدّة، وكم قاعدة لهم منهدة، إن لم يفعل الله شيئاً لشيء - أيتها الجبرية بزعمكم أنه يلزم الإستكمال تبعاً للفلاسفة الملحدين الجهال - فما معنى تعليل نفي الحجة عليه بالإرسال.
  وكم آية في الكتاب هم عنها عمون، تنادي بالرد عليهم إن كانوا يعقلون: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ ٥٦}[الذاريات]، وقد قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلَّا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ ٧}[آل عمران]، فسمّى الله المحكمات أمّ الكتاب، تُرَدُّ إليهنّ المتشابهات، أو المؤوّلات من الخطاب، أنزلها الله زيادة في التكليف، وتعريضاً للابتلاء، ومضاعفة للثواب.
  هذا كلام الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، وقد انحاز في هاتين الفرقتين المشبّهة والقدرية أغلب الفرق، وبيان شبهها وتقرير الرد عليها وتحرير الدلائل وما خالفت فيه من المسائل لا يحتمل مدار رحاه هذه السواقط، وإنما أردنا التنبيه لمن غفل عن مهاوي التلف، ومداحض المساقط، والله أسأل أن يوفقنا للاهتداء بأنواره، والاقتداء بمناره.
[ذِكْرُ طَرَفٍ من الطّرُق المُسَلْسَلَةِ]
  ولنختم هذا البحث بذكر طرف من الطرق المسلسلة، الموصلة إلى التمسك بأهداب حَمَلَةِ الكتاب والسنة من سلالة النبوة، ولا بأس بذكرها على هذا الوجه الإجمالي، على أن أقوالهم وأفعالهم معلومة بين ظهراني الأمة، ومؤلفاتهم ورواياتهم متلقّاة بالقبول عند الأئمة، فنقول: