التحف شرح الزلف،

مجد الدين بن محمد المؤيدي (المتوفى: 1428 هـ)

من مواقف صفين:

صفحة 54 - الجزء 1

  ثم تلاه موكب آخر فيه فارس أشبه الناس بالأولين، قلت: من هذا؟ قيل: قثم بن العباس، أو معبد بن العباس.

  ثم أقبلت المواكب والرايات يقدم بعضها بعضاً، واشتبكت الرماح.

  ثم ورد موكب فيه خلق من الناس، عليهم السلاح والحديد، مختلفوا الرايات، في أوّله راية كبيرة، يقدمهم رجل شديد الساعدين، نظره إلى الأرض أكثر من نظره إلى فوق، كأنما على رؤوسهم الطير، وعن يمينه شاب حسن الوجه، وعن ميسرته شاب حسن الوجه، وبين يديه شاب مثلهما، قلت: من هؤلاء؟ قيل: هذا علي بن أبي طالب، وهذان الحسن والحسين عن يمينه وشماله، وهذا محمد بن الحنفية بين يديه معه الراية العظمى، وهذا الذي خلفه عبدالله بن جعفر بن أبي طالب، وهؤلاء ولد عقيل، وغيرهم من فتيان بني هاشم، وهؤلاء المشائخ أهل بدر من المهاجرين والأنصار، فساروا حتى وصولوا الموضع المعروف بالزاوية؛ فصلى أربع ركعات، وعفر خديه على التربة، وقد خالط ذلك دموعه، ثم رفع يديه يدعو: (اللهم ربّ السماوات وما أظلت، والأرضين وما أقلّت، وربّ العرش العظيم، هذه البصرة أسألك من خيرها، وأعوذ بك من شرّها، اللهم أنزلنا فيها خير منزل وأنت خير المنزلين).

من مواقف صفين:

  ومن مواقف صفين ما ذكر من القتال الدائر بين عكّ وهمدان، حيث اشتد قتال القوم، وجاء أمر يشيب النواصي، ثم إن أمير المؤمنين # التفتَ إليهم، فقال: (حتى متى تخلّون بين هذين الحيّين، وقد تفانوا وأنتم وقوف تنظرون، أما تخافون المقت من الله؟) ثم سلَّ سيفه واقتحم يضرب في عَكّ ولخم حتى خرق الصفوف وهو يقول:

  ومبتهج بالموت ما إن يرى له ... عن الفتية الماضين بالأمس مقعدا