سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 156 - الجزء 1

  عليه وعلى آله، وما كان يحملُ في صدرِه من توكلٍ، واعتمادٍ على الله نجَّاه اللهُ هو وصاحبُه من كيدِ الكافرين، وحكى ذلك في القرآنِ ليكونَ درسا لكلِّ مَن ضَعُفَ إيمانُه ووهنت ثقتُه باللهِ.

  فقال تعالى: {إِلَّا تَنصُرُوهُ فَقَدْ نَصَرَهُ اللّهُ إِذْ أَخْرَجَهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ثَانِيَ اثْنَيْنِ إِذْ هُمَا فِي الْغَارِ إِذْ يَقُولُ لِصَاحِبِهِ لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا فَأَنزَلَ اللّهُ سَكِينَتَهُ عَلَيْهِ وَأَيَّدَهُ بِجُنُودٍ لَّمْ تَرَوْهَا وَجَعَلَ كَلِمَةَ الَّذِينَ كَفَرُوا السُّفْلَى وَكَلِمَةُ اللّهِ هِيَ الْعُلْيَا وَاللّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ}.

  فمشكلةُ الناسِ في هذا الزمانِ، تكمنُ في ضعفِ إيمانِهم باللهِ، وقلةِ المعرفةِ باللهِ، وجهلهِم بصفاتِ الله العظمى ونسيانِهم لرقابةِ اللهِ، والتي بسببِها ضلَّ كثيرٌ من الخلقِ، واستباحوا المحرماتِ، وارتكبوا الفواحشَ ظناً منهم بأن الله لا يعلمُ كثيراً مما يعملون.

  فيأتي البائعُ فينسى ربَّه الذي يعلمُ السرَّ وأخفى فيغشُّ في بيعِه، ويطففُ في كيلِه، ويحتكرُ السلعَةَ، ويبخس البائعَ بضاعتَه.

  يأتي العاملُ فينقصُ في عملِه، ويخون أمانتَه، ويهملُ واجبَه، وهو يظنُّ أنه بعيدٌ عن الله.

  يأتي الحاكمُ والقاضي فيداهنُ ويُزَوِّرُ أحكامَ اللهِ، ويحكمُ بما لم يأذن به اللهُ، وهو يظنُّ بأنه في معزلٍ عن رقابة الله، وواللهِ ما ذهبَ عن قبضةِ اللهِ، وليس له من فكاكِ.

  ألا يعلمون أن اللهَ قد أرسلَ رسولَه ÷ من أجلِ أن يُعَلِّمَ الأمةَ بربِّها، ويربطَها بخالقِها ومنشئِها وفاطرِها، وأن يذكرَ الناسَ بخالقِهم، وأن يذكروا بأنه يراهم، ويعلمُ سرَّهم ونجواهم.

  {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ مَا يَكُونُ مِن نَّجْوَى ثَلَاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلَا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلَا أَدْنَى مِن ذَلِكَ وَلَا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُم بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ}.