سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 160 - الجزء 1

  الآخرةِ وثوابِها، وتركٍ للدين ومعالمِه، وهجرٍ للعلم والعلماءِ، واستخفافٍ بالدين وأهلِه، وتعظيمٍ للدنيا وأبنائِها، وتعطيلٍ لحدودِ اللهِ، والمجاهرةِ بالعصيان عياناً، ليلاً ونهاراً، سراً وجهاراً، دون حياءٍ أو خجلٍ، على مرأى ومسمعٍ من البشرِ.

  {ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ}، ولكن يا للأسفِ: ليس هناك مَن يأمرُ بمعروفٍ أو ينهى عن منكرٍ غيرةً للهِ، وانتصاراً لدينِه إلا مَن رَحِمَ الله، لقد غدى صاحبُ الدين خائفاً مغموراً ضعيفاً وحيداً لا يُسْمَعُ قولُه، ولا يُلتفتُ إلى رأيِه، وأصبحَ الظالمُ صاحبَ الكلمةِ العليا، يتجبرُ في أرضِ اللهِ، يعثوا فيها فساداً، يستعبد العبادَ، ويجاهرُ بالعنادِ و يقربُ العصاةَ ويدنيهم، ويستذلُّ المتقين ويجفوهم، حتى غدا المعروفُ منكراً والمنكرُ معروفا.

  بَحَّ المنادي والمسامعُ تشتكي ... صمماً وأصبحتِ الضمائرُ تُشتَرى

  إن المتأملَ لهذهِ الحالةِ المؤسفةِ التي آلَ إليها البلادُ والعبادُ، يشعرُ بالرهبةِ والخوفِ الشديدِ من عواقبِ هذه الحالِ التي نحن فيها، إذ قد قست منا القلوبُ، وتحجرت العيونُ، وهُجِرَ كتابُ علامِ الغيوب، لا يُقْرَأُ: وإن قُرِأَ قُرِئَ، والقلوبُ ساهيةٌ لاهيةٌ في لججِ الدنيا، وأوديتها سابحةٌ، بل جعلت البركة في مجرد حملِه وتلاوتِه، وتُرِكَت بركتُه الحقيقيةُ المتمثلةُ في أتباعه وتطبيقِ أحكامه، {وَقَالَ الرَّسُولُ يَا رَبِّ إِنَّ قَوْمِي اتَّخَذُوا هَذَا الْقُرْآنَ مَهْجُوراً}.

  اختلط الحابلُ بالنابلِ، ورُمِيَ حبلُ الدينِ على غاربِه، وزعم الغافلُ خفاء الحقِّ، وهو أظهرُ من الشمسِ في رابعةِ النهار ولكنه الهوى وما أدراك ما الهوى!

  وإذا النفوسُ رضعت من ثدي الهوا ... فالمستحيلُ المستحيلُ فطامُ

  * * * * *

  قد تُنكرُ العينُ ضوء الشمس من رمدٍ ... وينكرُ الفمُ طعمَ الماءِ من سَقم