سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 217 - الجزء 1

  حاشا الله وتعالى الله أن يجبل نفسا على الخُبْث والتمرد ثم يعاقبها يوم القيامة بغير ما اكتسبت. تعالى الله عما يقول المفترون علوّاً كبيراً.

  إن الله فطر الخلائقَ كلَّها على حدٍ سواءٍ ومنهاجٍ واحدٍ وهو القائل: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا ۝ فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا} فكل نفس، وكل روح فطرها الله وسواها وعلمها طريق الخير والشر، فليس هنالك نفس خلقت للشر، وليس هناك نفس جبلت على الخير، بل إن الخير والشر من فعل العبد، وهو الذي يبني نفسه على الشر أو الخير،

  فإن بناها بخيرٍ طاب مسكنُها ... وإن بناها بشرٍ خاب بانيها

  كما قال تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا ۝ وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}.

  فإن الله قد بنى نفوسنا، وآتاها تقواها، وفطرها على العدل والتوحيد كما قال تعالى: {وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ}.

  هذا هو الميثاقُ الغليظُ، والعهدُ القاطعُ الذي أخذه اللهُ على الناسِ، وهم في صلبِ أبيهم آدمَ #، عهدٌ عَهِدَه الله إلينا على توحيدِه وتنزيهه وعلى اعتقادِ أنه هو ربُّنا وحدَه لا شريكَ له وأشْهَدَ علينا الفطرةَ التي أودعَها في أرواحنا وإلى هذا أشار الرسول ÷ بقوله: «المولودُ يولدُ على فطرةِ الإسلام».

  عبادَ الله: هذه هي فطرةُ اللهِ التي فطرَ الناسَ عليها فطرَهم على العدلِ والتوحيدِ، وعلى حبِّ الخيرِ وكراهيةِ الشرِّ، وحبِّ الفضيلةِ، ومقت الرذيلةِ. فالله خلقَ الإنسانَ وصورَه في أيِّ صورةٍ ما شاء ركبَه، ونفثَ في روحِه الخيرَ والهدايةَ، ومكنه من فعلِها. فاللهُ تعالى لم يخلق هذا مؤمناً وهذا كافرا، ولم يجبرِ اللهُ هذا على الخيرِ، وهذا على الشرِّ، ولم يختر الله هذا للجنة، والسعادة، وهذا للنار والشقاء، هذه مقالة الظالمين، وأهل الجبر والضلال الذين حكى الله عنهم بقوله: