الخطبة الأولى
  {وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءنَا وَاللّهُ أَمَرَنَا بِهَا} فنهاهم الله عن هذا وبين لهم خطأهم وعاتبهم على سوء مقالتهم واعتقادهم بقوله: {قُلْ إِنَّ اللّهَ لَا يَأْمُرُ بِالْفَحْشَاء أَتَقُولُونَ عَلَى اللّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ كَمَا بَدَأَكُمْ تَعُودُونَ}.
  إخوة الإسلام: إن عقيدة الأنبياءِ والأصفياءِ تكونُ في تنزيهِ الله وتقديسِه، فهم يعتقدون بأن الله لم يُقَدِّر لنا إلا الخيرَ والصلاحَ، ولم يخلقنا إلا للجنةِ، فنحن الذين اخترنا طريقَ الشرِّ، نحن الذين ربينا أنفسَنا على القبائحِ، و نحن الذين سلكنا طريقَ العصيانِ فاستحققنا الغضبَ والنارَ. إن الله برئٌ من كلِّ ظُلْمٍ فما كان الله ليظلمَهم ولكن كانوا أنفسَهم يظلمون. ولا يظلمُ ربُّك أحداً وما ربك بظلامٍ للعبيد.
  فمن قال إن الله تعالى يجبر هذا على الطاعة، وهذا على المعصية بغير اختياره فقد أعظمَ على اللهِ الفريةَ وكذَّب بالصدقِ إذ جاءه وله عذاب عظيم.
  كيف يفترون على الله مثل ذلك ويصفونه بما لا يليق به من الجبر والظلم وهو سبحانه وتعالى القائل: {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعاً بَصِيراً ٢ إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِراً وَإِمَّا كَفُوراً} وقوله تعالى: {أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ٨ وَلِسَاناً وَشَفَتَيْنِ ٩ وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ}
  بل لقد مكَّن الله المخلوق بالقدرة والاختيار على أن يسلك أي السبيلين شاء.
  {وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ} {قُلْ كُلٌّ يَعْمَلُ عَلَى شَاكِلَتِهِ فَرَبُّكُمْ أَعْلَمُ بِمَنْ هُوَ أَهْدَى سَبِيلاً}.
  فهذا ما عليه أهلُ العدلِ والتوحيدِ وما يدينون به من تنزيه الله تعالى، وأما من ينسبُ إلى اللهِ تعالى الظلمَ لعبادِه، وأنه قد خلقهم للشقاءِ أو السعادةِ، ولا اختيارَ لهم، فهذه عقيدةُ أهلِ الجبرِ، وهذه هي مقالةُ القدريةِ الذين قال فيهم رسولُ الله ÷ «صِنْفَانِ من أمتي لا تنالهم شفاعتي لعنهم اللّهُ على لسانِ سبعينَ نبيئاً: القدريةُ،