الخطبة الأولى
  والمرجئةُ». قيل: يا رسولَ اللّه ومن القدريةُ؟ قال: «الذين يعملون المعاصي ويقولون هي من اللّه». وفي رواية: وقيل: يا رسول اللّه، ومن المرجئة؟ قال: «الذين يقولون الإيمانُ قولُ بلا عمل».
  فهذا نصٌ صريح وشهادة من صادق أن المجبرة هم القدرية، يؤكد ذلك قوله ÷ «القدريةُ مجوسُ هذه الأمةِ»، وهم خصماءُ الرحمنِ، وشهودُ الزورِ، وجنودُ إبليسَ لعنه اللّه.
  عبادَ الله: إن العبدَ إذا وُلدَ وُلِد باكياً، ولم نسمع بمخلوقٍ وُلِدَ ضاحكاً، منذ خلق اللهُ الأرضَ لماذا؟ لأن هذه الدار ليست بدارِ فرحٍ ومرحٍ، وليست بدارِ لهوٍ وعبثٍ. بل إنها دارُ بلاءٍ واختبارٍ وامتحانٍ، و دارُ عناءٍ ومشقة، ودارُ غمٍ وهمٍ وحزن.
  ولدتك أمُّك يا بنَ آدمَ باكيا ... والناسُ حولك يضحكون سرورا
  فأعمل لنفسِك أن تكونَ إذا بكوا ... في يوم موتِك ضاحكاً مسرورا
  وفي الحديث عن النبي ÷ «كلُّ مولودٍ يولدُ على الفطرة» ما هي هذه الفطرة التي يولد عليها؟ و هل يلد مغنياً مُطَبِّلاً أم يلد مزمراً راقصاً أم يلد سكيراً عربيداً أم يلد عاشقاً هايماً لا .... وحاشا لله بل يلد على فطرة الله التي فطر الناس عليها، يلد على قول لا إله إلا الله وعلى عقيدة العدل والتوحيد، يلد مقدساً لله منزهاً لجلاله، يخرج من بطن أمه ليقع على أم رأسه ووجهه على الأرض على هيئة الساجد لله.
  يقع وهو متجه بفطرته إلى الله، إلى خالقه، الذي أنشأه ورباه، في ظلمات الأرحام وغذاه.
  إنما يولد على لا إله إلا الله يخرج من بطن أمه ليقع على رأسه ويديه على هيئة الساجد المطأطئ رأسه لربه وخالقه.
  يقع وهو متجه بفطرته إلى الله تعالى القائل: {فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَةَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا لَا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللَّهِ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ