سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 220 - الجزء 1

  وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ}، ولكن من الذين بدلوا خلق الله؟ من الذين غيروا فطرة الله؟

  إنه الشيطان الرجيم الذي أقسم على نفسه بأن يغوي الناس أجمعين وأن يقعد لهم الصراط المستقيم، وأن يحول بين بني آدم وبين الصراط المستقيم، وأن يثنيهم عن طاعته، وليأمرنهم بالباطل والطغيان. وأن يُغيروا خلق الله وفطرته التي فطر الناس عليها كما حكى الله عنه ذلك بقوله: {وَقَالَ لَأَتَّخِذَنَّ مِنْ عِبَادِكَ نَصِيباً مَّفْرُوضاً وَلأُضِلَّنَّهُمْ وَلأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الأَنْعَامِ وَلآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللّهِ وَمَن يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيّاً مِّن دُونِ اللّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُّبِيناً}.

  عبادَ الله: إننا أمامَ مسؤوليةٍ عظيمةٍ تجاهَ أنفسنا وأبنائِنا، فهم بَذرتُنا وأمانةُ اللهِ التي طوق بها أعناقَنا، وكلكُم راعٍ وكلُّ راعٍ مسئولٌ عن رعيتِه، والأبُ راعٍ ومسئولٌ عن أهلِ بيته، وحتى البدوي راعٍ ومسؤولٌ عن ماشيتِه فلا يكن همنا همَّ البهائمِ، وغايتُنا غايةَ الأنعامِ، نقضي شهواتِنا، وننجب الأبناءَ، بلا حسابٍ حتى تضيق بهم البيوتُ، وتعج بهم الشوارعُ، ثم نتركُهم هملاً بلا عنايةٍ، ولا رعاية، ولا رقابةٍ، فهذا كله من تضييع الأمانة، والتفريط في الرعاية، وإخلال بالمسئولية التي سيسألنا عنها الله فإن الله تعالى لا يعذر عبده المفرط، ولو في حق شاة أهملها، فما بالك بآدمي كرمه الله وأوصى به، وحمّلنا مسئوليته (تربية ورعاية، وتعليما).

  عبادَ الله: إن للوالدين دور كبير في صلاح الابن وفساده وعليه تقع مسئولية تربيته، وللمجتمع دور كذلك، وللبيئة دور، وللمدرسة دور، وللرفقاء والزملاء دور. وكما قال ÷: «إن المولود يولد على فطرة الإسلام، فأبواه يهودانه، أو ينصرانه، أو يمجسانه».

  الابن يقلد أباه، ويتعلم منه الخير والشر، ويرضع عنه الغث والسمين، فابن المسلم ينشأ مسلماً، وابن الكافر ينشئ كافراً، وابن المسيحي ينشأ مسيحياً، والأسرة المتدينة تنجب الأبناء المتدينين، والبيت المنحرف ينشأ أبناؤه منحرفون، وكل إناء بما فيه ينضح.