سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 221 - الجزء 1

  فعلى كلِّ والدٍ أن يُنشئَ أبنائَه ويُربي أولادَه على تقوى من اللهِ ورضوانٍ، واللهُ سائلُه عنهم هل علمَهم؟ هل أدبَهم؟ هل رباهم وأحسنَ تربيتهم؟

  إنهم أمانةُ اللهِ ووديعتُه التي قلدَ بها عنقَه وائتمنَه عليها، ولا بد يوما أن تردَّ الودائعُ، الأبناء الذين نراهم الآن في الشوارع (يسبُّون هذا، ويشتمون هذا، ويلعنون هذا، ويؤذون هذا، لا يحترمون كبيراً ولا يقدرون عاجزاً، ولا يرعون حرمةً لمسجدٍ ولا ذمة) ومَن المسئولُ عنهم؟ و مَن الذنب ذنبُه فيهم؟ وممن الخطأ؟ وعلى من يقعُ اللومَ؟ هل نقول: بأن الله خلقَهم وفطرَهم على هذه الصفةِ - ومتى شاء أن يهديهم هداهم؟ تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا.

  أم نقولُ إن الذنبَ ذنبُ ذلك الطفلِ الذي لا يفهمُ ما يقولُ، أم الذنبُ ذنبُ الشارعِ، وابناءِ الشارعِ الذين علموه، أم الذنبُ ذنبُ الوالدينِ، الذين أهملوه وتركوه يتيه على وجهه مع رفقاء السوء وإخوان الشياطين حتى تلبسوا به، {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}

  عبادَ الله: لماذا فرطنا في وصيةِ اللهِ في أبنائِنا وأهلينا وضيعنا هذه الأمانةَ، وأهملنا أمرَه إلينا وهو القائل: {يُوصِيكُمُ اللّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ} وقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ}.

  عبادَ الله: إن الطفل يلد بفطرةٍ غضةٍ متدينة، ونفسٍ طاهرةٍ بريئةٍ مهيَّأة للصلاح، وعقلُه فارغٌ قابلٌ لكلِّ ما يُلقى إليه فيلد جاهلاً لا يعلم إلا ما علمناه قال تعالى: {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لَا تَعْلَمُونَ شَيْئاً وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالْأَبْصَارَ وَالْأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فالطفل من يوم ولادتِه يحاولُ أن يرددَ كلَّ ما يسمع، وأن يقلدَ أفعالَ الآخرين، من خيرٍ أو شرٍّ من كلامٍ طيبٍ وخبيثٍ. إن الطفلَ أرضٌ خصبةٌ قابلةٌ للزرعِ تستطيع أن تزرعَ فيها ما تشاءُ. فمن الناس من يعلمُ ابنَه الشتمَ والسبَ واللعنَ والكلامَ البذيءَ، وهناك