سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 273 - الجزء 1

  نسي أبنائَه وأهملَهم فلا يربيهم ولا يؤدبُهم بل يتركُهم لرفقاءِ السوءِ، وسفهاءِ الشوارعِ يُغوونهم ويُفسدون أخلاقَهم، واللهُ تعالى سائلُه عنهم وكلُّ راعٍ مسؤولٌ عن رعيته.

  عبادَ الله: باللهِ عليكم متى سيرتاحُ مثلُ هؤلاءِ، ومتى سيفرغون لأنفسِهم ولأهلِهم، ومتى سيتمتعون بالأموالِ التي جمعوها والتي لم يستلذوا بشيءٍ منها، بل يجمعونها ويموتون قبلَ أن يستفيدوا منها، فلينظر العاقلُ في هذه الدنيا وهل وجدت لتخدمَنا أم لنخدمَها، ونفني أعمارَنا في إصلاحِها والسعي ورائَها، ومن المعلومِ عقلاً أن ما نجمعُه من أموالٍ ومتاعٍ في الدنيا فإنه يخدمُنا إذا كان بقدرِ حاجتِنا، أما الغناءُ المفرطُ والزائدُ عن حاجتِنا فإننا نخدمهُ ونسهرُ على حراستِه ونشغلُ أنفسَنا بحفظه.

  عبادَ الله:

  إن رزقَ ابنَ آدم مكتوبٌ مقسومٌ، كأجلِه الذي كَتبَه اللهَ، وليس لابنَ آدم إلا ما كتبَه له اللهُ تعالى، والله تعالى قد قرنَ الأمورَ بأسبابِها والعللَ بمعلولاتِها فخذوا بالأسبابَ وأتوا البيوتَ من أبوابِها، ولا تأتوا البيوتَ من ظهورِها، ومن أرادَ من اللهِ الكفافَ في النفقةِ والغناءَ في القلبِ والقناعةَ في النفسِ والزيادةَ في الرزق فعليه بكتابِ الله تعالى ففيه بيانُ السبيلِ إلى ذلك حيث قال عز من قائل: {وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ} فقد أبان تعالى بأن التقوى هي أحد أسباب الغناء وقوله تعالى في من آمن واتقى: {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوْا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِمْ بَرَكَاتٍ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ وَلَكِنْ كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ}.

  وقوله تعالى في حق المستغفرين والتائبين: {فَقُلْتُ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّاراً يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَاراً وَيُمْدِدْكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَيَجْعَلْ لَكُمْ جَنَّاتٍ وَيَجْعَلْ لَكُمْ أَنْهَاراً}.