الخطبة الأولى
  هذه هي تعاليم مالك الملوك وصاحب الخزائن والكنوز العظمى من بيده خزائن السموات والأرض يعلمنا الطريقة التي بها نغنى بغير تعب ولا نصب {وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللَّهِ قِيلاً} {أَفَبِهَذَا الْحَدِيثِ أَنْتُمْ مُدْهِنُونَ وَتَجْعَلُونَ رِزْقَكُمْ أَنَّكُمْ تُكَذِّبُونَ}.
  هذه بعضُ الأسبابِ وهذه واللهِ مفاتيحُ خزائنِ السماواتِ والأرضِ من أخذ بها رَبِحَ وفازَ، ومن تبعَ غيرُها أتعبَ نفسَه ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كتب له.
  عبادَ الله: إن الدنيا ملكُ اللهِ والمالَ مالُ اللهِ، ولن يُؤتَ أحدٌ لقمةً إلا بإذنِ اللهِ فعلينا أن نطلبَ حاجتِنا من اللهِ، وأن نتوكلَ عليه في جميعِ أمورِنا، وأن نستعينَه في كلِّ أحوالِنا فهو نعمَ المولى ونعمَ النصير، ونعمَ الكافي، ومن توكلَ عليه فهو حسبُه وهو حسبُنا ونعمَ الوكيل فمن رضيَ بقسمِ الله كفاه الله هم الدنيا، ومن أوكل نفسه إلى غير الله وركن إلى سواه أوكله الله إليه، وجعله في همّ من أمره كما قال ÷: «من أمسى وأصبح والدنيا أكبرُ همِّه جعلَ اللهُ فقرَه بين عينيه وشتتَ عليه شملَه ولم يأتِه من الدنيا إلا ما كُتِبَ له».
  وقد ورد في الحديثِ القدسي عن رسولِ الله ÷ عن جبريلَ # عن الله ø أنه قال: «يا بنَ آدمَ لا تخافنَّ من ذي سلطانٍ مادامَ سلطاني باقيا وسلطاني لا ينفدُ أبداً، يا بنَ آدمَ لا تخشى من ضيقِ الرزقِ وخزائني ملآنةٌ وخزائني لا تنفذُ أبدً، يا بنَ آدمَ لا تطلبْ غيري وأنالك فإن طلبتَني وجدتَني وإن فتني فتك وفاتَك الخيرُ كلُّه، يا بنَ آدمَ خلقتُك للعبادةِ فلا تلعب، وقسمتُ لَكَ رزقكَ فلا تتعب، فان أنت رضيتَ بما قسمتُه لك أرحتَ قلبَك وبدنَك وكنتَ عندي محموداً، وإن لم ترضَ بما قسمتُه لك فوعزتي وجلالي لأُسلطنَّ عليك الدنيا تركضُ فيها ركضَ الوحوشِ في البريةِ، ثم لا يكونُ لك إلا ما قسمتُه لك وكنتَ عندي مذموما، يا بنَ آدمَ خلقتُ السمواتِ السبعَ والأرضين السبعَ ولم أعيَ بخلقهنَّ أيُعييني رغيفَ عيشك أسوقُه لك بلا تعب.