سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 278 - الجزء 1

  هذه الدنيا، ولم يكن ذلك منهم اضطرارا بل لقد كان بِوُسعِهم أن يشيدوا القصورَ ويلبسوا الحريرَ ويأكلوا ما لذَّ وطابَ، ولكنهم عزفوا عنها، بل لقد أقبلت عليهم الدنيا فرفضوها وتزينت لهم فأبوها، وطلقوها طلاقاً لا رجعه فيه

  حتى نبي الله سليمان # الذي آتاه الله الملك والسلطان ووهبه مالم يؤت أحداً من العالمين ولكنه لم يلتذ بشيء منها، بل لقد كان يأكل الشعير ويتقشف في العيش حتى لقد كان من ضعفه وهزاله تحركه الريح إذا قام للصلاة، وهذا رسولُ اللهِ وأحبُّ خلقِه إليه كان يأكلُ على الأرضِ ويجلسُ جلسةَ العبدِ ويخصفُ حذائَه بيدِه الشريفةِ، ويرقعُ ثوبَه بنفسِه ويركبُ الحمارَ العاري بلا سرجٍ، وكان من أهضمِ أهلِ الدنيا كشحا وأخمصِهم بطناً، فكان يجوعُ فيها وتلحقُه الحاجةُ هو وأهلُ بيتِه، فهل يا ترى أكرمَ اللهُ محمداً ~ وعلى آله بذلك أم أهانَه؟

  فمن قال أهانَه فقد كذبَ وأعظمَ على اللهِ الفريةَ وإن قال أكرمَه فليعلم أن اللهَ أهانَ غيرَه حيثُ بسطَ لهم الدنيا وزواها عنه.

  عبادَ الله: إن اللهَ قد أبغضَ الدنيا وذمَّها وحقرها وحذر منها، فكان حقا على أحباب الله و أنبيائه أن يبغضوا ما ابغض الله وأن يحقروا ما حقر، وأن يصغروا ما صغر، ولو لم يكن ذنب أهل الدنيا وخطابها إلا حبهم لما ابغض الله وتعظيمهم لما حقر الله لكفى به شقاقاً لله ومحادّة عن أمر الله تعالى.

  عبادَ الله: إن لنا في رُسُلِ اللهِ وأنبيائِه أسوةً حسنةً و عظةً وعبرةً، فإذا كان رسولُ اللهِ قد لحقَه الجوعُ والحاجةُ فأهلاً ومَرْحباً بالجوعِ، ولنا في رسولِ الله سلوةٌ وعزاءٌ على ما فاتنا من هذه الدنيا، فلقد كانت تمر عليه أيام لا يشعل في بيته نار ولا يجد ما يسد به رمقه.

  وعلى كل من يحزنُ أن لا يجدَ في طعامِه السمنَ واللحمَ، أن يعلمَ بأن رسولَه الأطهرَ صلواتُ ربي عليه وعلى آله كان لا يجد ما يقتاتُه أحياناً وكان لشدِّةِ جوعِه