سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 283 - الجزء 1

  إما تنعيم واستدراج للعصاة كما قال تعالى: {فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ فَتَحْنَا عَلَيْهِمْ أَبْوَابَ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى إِذَا فَرِحُوا بِمَا أُوتُوا أَخَذْنَاهُم بَغْتَةً فَإِذَا هُم مُّبْلِسُونَ ٤٤ فَقُطِعَ دَابِرُ الْقَوْمِ الَّذِينَ ظَلَمُوا وَالْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ} وكما قال تعالى: {أَيَحْسَبُونَ أَنَّمَا نُمِدُّهُم بِهِ مِن مَّالٍ وَبَنِينَ ٥٥ نُسَارِعُ لَهُمْ فِي الْخَيْرَاتِ بَل لَّا يَشْعُرُونَ} وقوله تعالى: {وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا أَنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ خَيْرٌ لِّأَنفُسِهِمْ إِنَّمَا نُمْلِي لَهُمْ لِيَزْدَادُوا إِثْماً وَلَهْمُ عَذَابٌ مُّهِينٌ} وقوله تعالى: {فَلَا تُعْجِبْكَ أَمْوَالُهُمْ وَلَا أَوْلَادُهُمْ إِنَّمَا يُرِيدُ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُم بِهَا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَتَزْهَقَ أَنفُسُهُمْ وَهُمْ كَافِرُونَ} وقوله تعالى: {لَا يَغُرَّنَّكَ تَقَلُّبُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي الْبِلَادِ ١٩٦ مَتَاعٌ قَلِيلٌ ثُمَّ مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ وَبِئْسَ الْمِهَادُ} بل إن الله يصور لنا الحياة الدنيا بكامل حالها، بقوله تعالى: {إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاء أَنزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالأَنْعَامُ حَتَّىَ إِذَا أَخَذَتِ الأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلاً أَوْ نَهَاراً فَجَعَلْنَاهَا حَصِيداً كَأَن لَّمْ تَغْنَ بِالأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} صدق الله العظيم.

  ولأجل هذا نرى الصالحين من المؤمنين، يخافون في النعمةِ أشدَّ من خوفِهم في حالِ الشدةِ والبلاءِ، وما ذلك إلا لمعرفتِهم بحقيقةِ الدنيا وطبعها في الغدر وأنها ليست بدار نعمة ولا محل راحة.

  يا من يعانقُ دنيا لا بقاءَ لها ... يمسي ويصبح في دنياه سفارا

  هلا تركتَ لذي الدنيا معانقه ... حتى تعانقَ في الفردوسِ أبكارا

  إن كنتَ تبغي جنانَ الخلدِ تسكنها ... فينبغي لك ألا تأمنَ النارَ

  فعلى العاقلِ أن يكونَ منها على حذرٍ، إن أُعطي فيها خيراً شكرَ وذكرَ، وكان من أمرِه على حذر، وإن حُرِمَها ومُنِعَ نعيمَها صبرَ وأحتسبَ، وأيقن أنها أتت على أصلها وأن هذا هو طبعها، فيستسلم للواقع ويذعن راضي البال قرير العين،