سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 294 - الجزء 1

  بينها وبين القرآن حجابا ساترا من الآثام والذنوب والإجرام، قد حجبها عن الهدى، ومنعها عن التقوى.

  عبادَ الله: باللهِ عليكم أهذا جزاءُ النعمِ الجسامِ، والمننِ العظامِ المتواليةِ بالغدوِّ والآصال، وهل من فطرت العقول وإلهام النفوس أن نقابل الإحسان بالكفران، والنعم بالعصيان.

  تعصي الإلهَ وأنتَ تزعمُ حبَّه ... هذا لعمري في القياسِ بديع

  لو كان حبُّكَ صادقا لأطعتَه ... إن المحبَّ لمن يُحبُّ مطيعُ

  ألا إنه الغرورُ والفجورُ إذا خالطَ القلوبَ أعماها عن الهدى، وسلَك بها سبلَ الردى، حتى تعمي صاحبها فيرى أنه هو الذي يحفظ نفسه ويغذيها، ولولاه لهلكت، ينكر نعم الله ويجحد آلاءه ويكفر بما آتاه من خير وفضل {قُتِلَ الْإِنسَانُ مَا أَكْفَرَهُ ١٧ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ} لعن الإنسان ما أنساه وأطغاه، وأنكره لنعم الله.

  {وَإِذَا أَنْعَمْنَا عَلَى الإِنسَانِ أَعْرَضَ وَنَأَى بِجَانِبِهِ وَإِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ كَانَ يَؤُوساً}، هذا هو طبعُ السوءِ في الإنسانِ الذي أورثه التولي والخذلان، يبكي إن احتاج، ويئنُّ ويشتكي إن ابتلاه الله.

  فإذا آتاه اللهُ من فضلِه، ومنَّ عليه وأغناه، تولى مستكبراً وأعرضَ وتجبَّر، وعبسَ وبسرَ، وقابلَ نعمَه بالكفرانِ، وعلى نعيمِه بالعصيانِ.

  ابنَ آدم يريدُ من اللهِ كلَّ شيء وكلما أعطاه نسيَ شكرَه وطلبَ المزيدَ، ونعم الله عليه لا تحصى بِعدّ ولا تُحصر بِحدّ {وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ}.

  قلبُه ينبضُ في كلِّ ثانيةٍ بالحياة، ولو توقفَ لدقائقَ لفارقتْ روحُه جنبيه، فمن الذي يرعاه ومن يغذيه ويراقبُ نبضاتِه في كلِّ لحظةٍ غيرُ اللهِ، نَفَسُهُ مَنْ أجراه ومَن برحمتِه يرعاه غير الله، نظرُه من يُغذيه ويحميه وبالرموشِ يقيه، من آفاتِ