الخطبة الأولى
  الغبارِ والترابِ غيرُ اللهِ، سمعه من يحرسه في وقت نومه وغفلته وهو جحر مفتوح عرضة للحشرات العمياء والغبار والماء. ذلكم الله هو خير حافظا وهو أرحم الراحمين.
  لسانُه من يقيه وقتَ الأكلِ والكلامِ من عضّةِ الأسنانِ، وهو لا يتوقفُ عن الحركةِ من مكانٍ إلى مكانٍ، إنه الله وحده.
  من يحميه من خطر الشرغةِ وقتَ أكلِه وشربِه، أو أن يغصَّ بلقمة في حال الضحك والكلام ولولا الله الحافظ لمات بحبة قمح أو قطرة ماء أو لغصّ بريقه.
  من يُصفِّ الطعامَ والماءَ من السمومِ، ومن يجري الدمَ في كلِّ عرقٍ وشريان، ومن يحمي الكلى والكبد والطحال وغير ذلك من أجهزة الإنسان ذلكم هو {اللّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لَا تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلَا نَوْمٌ} القائم على كل نفس بما يصلحها، لا يغفل عنها ولا تغيب عنه.
  ابن آدم يؤتيه اللهُ كلِّ شيء ويرعاه ويحفظه في كلِّ وقتٍ وفي كلِّ مكانٍ. وكلما زادت عليه نعمةُ اللهِ أعرضَ وتجبرَ، واللهُ يحلمُ عنه، يرعاه ويرزقُه ويواسيه ويقومُ بما يصلحُه في نفسِه ومالِه، وجميعِ حواسه وكل عضو فيه يرقبه على مدار الساعة، لا يغفل عنه لحظة واحدة {قُلْ مَن يَكْلَؤُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ مِنَ الرَّحْمَنِ بَلْ هُمْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِم مُّعْرِضُونَ} كل هذا ولا يزال عبده يعصيه ويعاديه، وغافل عما يرضيه، والله حليم عفو يمهله ولا يعاجله، حتى أن هناك كثيراً من الناس يبخل على نفسه بغرفات من الماء يطهر بها أعضاءه، ودقائق يقف بها بين يدي الله يؤدي فرض الله الذي افترضه عليه من الصلاة وذلك أضعف الإيمان.
  سبحان الله ما أحلمه، سبحان الله ما أكرمه، سبحان الله ما أغناه، يسبغ نعمه على عبده ليلا ونهارا لا يغفل عنه لحظة، وعبده عنه غافل ليله ونهاره لا يذكره قال تعالى: {نَسُوا اللّهَ فَنَسِيَهُمْ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ هُمُ الْفَاسِقُونَ}.