سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 4 - الجزء 2

  الكثيرُ من الناسِ بلغَ الغايةَ في كلِّ شيءٍ، وحازَ من متاعِ هذه الدنيا كلَّ ما لذَّ وطاب، يلبسُ من الثيابِ أنْعَمَها، ويأكلُ من الطعامِ أطيَبَهُ، ويركبُ أفْخَمَ المركوباتِ، ويسكنُ أفخرَ القصورِ، ولكن أين السعادةُ؟ لا وجودَ لها! لماذا؟ الجوابُ لأنهم صرفوا همَّهم في تزيينِ ظاهرِهم وتوفيرِ حاجاتِ هذا الجسدِ، فوضعوا الدواءَ في غيرِ محلِ الألمِ، يحاولونَ معالجةَ الجسدِ بالثيابِ والعطورِ والمأكلِ والمسكنِ.

  وما عَلِمَ هؤلاءِ المساكينُ أنَّ العلةَ والمرضَ في النفسِ والروحِ، لا في الجسدِ، كما قال تعالى: {فِي قُلُوبِهِم مَّرَضٌ فَزَادَهُمُ اللَّهُ مَرَضًا وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ}

  إنَّ الرَّوحَ المريضةَ لا يشفيها المالُ، ولا تداويها الحدائقُ والقصورُ، ولن يزيلَ عِلَّتَهَا توفيرُ الثيابِ والعطورِ.

  الروحُ بحاجةٍ لغذاءٍ روحاني وقوتٍ إيماني، غذاؤها هو في ذكرِ اللهِ، ودواؤها في القربِ من اللهِ، راحتُها في المساجدِ وفي حلقاتِ الذكرِ، وفي مجالسةِ العلماءِ وفي كتابِ اللهِ، سعادةُ الروحِ في الدينِ والإيمانِ الصادقِ، والإخلاصِ للهِ في العبادةِ، راحةُ الروحِ في الصلاةِ والصومِ، وتلاوةِ القرآنِ وذكرِ اللهِ، كما قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ} راحةُ الروحِ حين تَصْدُقُ وتُحسِنُ للآخرينَ، ترتاحُ الروحُ عندما تقولُ كلمةَ الحقِّ وتقومُ بالواجبِ في معاملتِها ترتاحُ النفسُ عندما تؤدي ما عليها من حقوقٍ وواجباتٍ، وعندما تفعلُ الخيرَ وتطيعُ اللهَ، وتمرضُ ُالروح وتصابُ بالضيقِ عندما تكذبُ وتغشُّ وتخدعُ، فالخيانةُ والحسدُ والحقدُ أمراضٌ تؤذيها وتقلقُها.

  عبادَ الله:

  إنَّ الإنسانَ روحٌ وجسدٌ، وللروحِ غذاءٌ وللجسدِ غداءٌ، وللروحِ دواءٌ، وللجسدِ دواءٌ، ولكنَّ الناسَ صرفوا أكبرَ همِّهِم في العنايةِ بالجسدِ، في هذا الجسمِ الفاني وتركوا الأصلَ وهي الروحُ الخالدةُ.