سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 5 - الجزء 2

  صرفَ الناسُ همَّهُم إلى الجسمِ، ووفروا له ما يحتاجُ من الأدويةِ والغذاءِ، وبَنَوا له المستشفياتِ ومصانعَ اللباسِ ووسائلَ النقلِ والزينةَ، وَبَنَوا له الحدائقَ والملاهي.

  وأهملوا جانبًا مُهمًّا في حياةِ الإنسانِ، إنه جانبُ الروحِ، الجانبُ الإيمانيُّ الجانبُ النفسيُّ الذي بَشَّرَ اللهُ مَن اهتمَّ به بالفلاحِ حيثُ قالَ تعالى: {وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا}

  عباد الله:

  هناكَ من يهتمُّ بجسدِهِ يغذيهِ ويربيهِ ومصيرُهُ غداً للدودِ والترابِ، وهناك من يربي نفسَهُ وروحَهُ ويزكيها ويطهرُها للجنةِ والنعيمِ الدائمِ، فأيُّهما الرابحُ؟

  إنَّ مردَّ الجسدِ للترابِ، ومردَّ الروحِ إلى اللهِ، مصيرُ الجسدِ للفناءِ، ومصيرُ الروحِ الخلودِ.

  فأيهما أحقُّ بالاهتمامِ وأولى بالرعايةِ؟ الذي يبقى أم الذي يفنى؟

  يا خادمَ الجسمِ كمْ تشقى بخدمَتِهِ ... أتطلبُ الربحَ فيما فيه خسرانُ

  أقبلْ على النفسِ واستكملْ فضائِلَهَا ... فأنتَ بالنفسِ لا بالجسمِ إنسانُ

  عباد الله:

  إِنَّ الرُّوحَ تَعْتَلُّ وَتَمرَضُ كَالجَسدِ، وَلهَا دَوَاءٌ جَاءَ بِهِ طَبِيبُ الْقُلُوبِ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ اللهِ صلَّى اللهُ عليهِ وَآله مِنْ عِندِ الله.

  قَالَ تَعالى: {وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ}⁣[الإسراء ٨٢] وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ قَدْ جَاءتْكُم مَّوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّكُمْ وَشِفَاء لِّمَا فِي الصُّدُورِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ}⁣[يونس ٥٧] فَالْحَسَدُ مَرَضٌ، وَالكِبْرُ مَرَضٌ، وَالَغِشُّ وَالخِيانَةُ وَالغَدْرُ وَالكَذِبُ، كُلُّ هَذهِ أمْرَاضٌ تَعُودُ عَلَى صَاحِبِهَا بالضِّيقِ وَالْهَمِّ، وَتُقَسّي الْقَلبَِ وَيَعِيشُ صَاحِبُها فِي قَلَقٍ، وَكَمَا أَنَّ العِبَادةَ تُغَذِّي الْنفسَ وَتُسعِدُهَا وَتَعودُ عَليْها بِالرَّاحَةِ وَالطَّمَأْنِينَةِ - فَإنّ التفريطَ فِيهَا وَالإِقْلالَ مِنْهَا يُمْرِضُ النّفسَ وَيُقْلِقُهَا وَيُتْعِبُها، مَثَلُهَا مَثَلُ الْجَسَدِ إِذَا قَلَّ عَليِهِ الْطّعَامُ وَالشَّرَابُ