الخطبة الثانية
  والمشغولُ وأصحابُ الضروراتِ، هل يقطعون الصلاةَ؟ أم عليهم أن يستأجروا لهم غرفاً في إحدى الفنادق ليحصلوا على الماءِ لأداءِ الصلاةِ، قال تعالى: {وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن مَّنَعَ مَسَاجِدَ اللّهِ أَن يُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ وَسَعَى فِي خَرَابِهَا أُوْلَئِكَ مَا كَانَ لَهُمْ أَن يَدْخُلُوهَا إِلَّا خَآئِفِينَ لهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ وَلَهُمْ فِي الآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ}، فبيَّنَ تعالى بأن لا أحدَ أظلمُ ممن فعل هذا واتصف بتلك الصفة.
  عباد الله:
  إِلى أينَ يَلجأُ الغريبُ فِي بِلادِ الغُربةِ، أَلَيسَ المسْجِدُ أَوْلَى بِالْغَريبِ؟ لقد أَصبَحتِ المَسَاجِدُ دُوراً خَاصةً فِي عُرفِ بَعضِ النّاسِ يَتَحَكَّمُون فِيها كَيفَما يَشَاءُون، وَيَتَحَكَّمُون في غَلقِها وفَتْحِها.
  أَليْسَتِ المساجِدُ كُلُّها لِلهِ كما قال تعالى: {وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا}؟ أَليسَتِ المساجدُ حقاً عاماً لِكُلِّ المسلمين على حدٍّ سواء؟ أوَلم يقرؤوا قولَ الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَيَصُدُّونَ عَن سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمَسْجِدِ الْحَرَامِ الَّذِي جَعَلْنَاهُ لِلنَّاسِ سَوَاءٌ الْعَاكِفُ فِيهِ وَالْبَادِ وَمَن يُرِدْ فِيهِ بِإِلْحَادٍ بِظُلْمٍ نُذِقْهُ مِنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ}[الحجِّ ٢٣].
  عِبادَ الله:
  إِنَّ المَسْجدَ لا يكونُ مَسجِداً إِلَّا إِذا سَبَّلَهُ صَاحِبُ الْمِلْكِ، وأَوْقَفَ أَرْضَه، وأَخْرَجَها مِن مِلكهِ، وجعلَها مُسَبَّلةً، بمعنى أَنَّهُ أَبَاحَها لِكُلِّ النَّاسِ، وجَعَلَهم فِيها شُرَكَاءَ مُستَوِيِيْنَ فِي أَحَقِّيَّةِ العبادةِ فيها، في أَيِّ وَقْتٍ شَاءُوا، ولا يَحِقُّ لِأحدٍ أَنْ يَمْنَعَ أحداً مِنها، يُقَالُ: طريقٌ مُسَبَّلَةٌ وَسَابِلةٌ أي نَافِذَةٌ لا يُمْنَعُ منها أحدٌ، لا مَقْطوعةٌ ولا مَمْنوعةٌ، وَقَد أَوْجَبَ الشَّرعُ عَلى مَن بَنَى مَسْجِداً أنْ يَفْتَحَ لَه بَاباً عَلى الطَّرِيقِ الْعَامَّةِ؛ لِيَتَمكَّنَ كُلُّ واحدٍ مِن دُخولِه مَتى شَاءَ، وإِلَّا فِإنَّهُ لَا يُسَمَّى مَسْجِداً بَل هُو مُجَرَّدُ مُصَلّى فَقَطْ؛ وعَلى هذا فَلا يَجوزُ إِغلاقُ الْمَسْجدِ عَلى الإِطلاقِ بَل يَلْزَمُ بَقَاؤُهُ مَفْتُوحاً فِي كُلِّ الأَوْقاتِ حَتَّى لَو خِيْفَ عَلَيهِ مِنَ السَّرِقَةِ وَالنَّهْبِ؛ فَهذَا مَا حَكمَ بِهِ