الخطبة الثانية
  أَتَعلَمونَ مَا سَببُ كُلِّ ذلك؟ السَّببُ هُو البُعْدُ وَالْغَفْلَةُ عَنْ ذِكرِ اللهِ، قال تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكاً}[طه ١٢٤]. نعم، هكذا تكون الحالُ فَالذَّاكِرُ لِلهِ جَلِيْسُه الملائِكةُ، وَيَعِيشُ فِي رَاحةِ بَالٍ، وَطَمَأنِينَةِ قَلْبٍ، قال تعالى: {الَّذِينَ آمَنُوا وَتَطْمَئِنُّ قُلُوبُهُم بِذِكْرِ اللّهِ أَلَا بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ}[الرَّعدِ ٢٨].
  وَأَمَّا الْغَافِلُ عَنْ رَبِّهِ، والنَّاسِيْ لَه فُجُلَسَاؤُه الشَّيَاطينُ، وَيَعِيشُ فِي ضَيقٍ وَضَنَكٍ كَما صَوَّرَ اللهُ حَاَله بِقوله تعالى: {وَمَن يَعْشُ عَن ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَاناً فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ}[الزخرف ٣٦].
  عِبَادَ الله:
  إِنَّ اللَهَ فِي كِتَابِه يُحَذِّرُنا مِن الْغَفْلَةِ عَنْ ذِكرِه، وَأَنْ تُلْهِيَنا زَهرةُ الدُّنيَا عَنْهُ قال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلا أَوْلادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ}[المنافقون ٩]، فَمَنْ أَلْهَاهُ مَالُه أَوْ وَلَدُه عَن ذِكرِ اللهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَاناً مُبيناً.
  فَاللَهُ سُبْحَانَه وَتَعَالَى يُعَامِلُ عَبْدَه بِجِنْسِ عَمَلِه، فَمَنْ ذَكَرَ اللَهَ ذَكَرَهُ اللهُ، وَمَنْ نَسِيَ اللهَ نَسِيَهُ اللهُ، قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ}[البقرة ١٥٢]، {نَسُوا اللَّهَ فَنَسِيَهُمْ}[التوبة ٦٧].
  وفي الحديث القدسي: «إذا ذَكَرني عَبدِي في نفسِهِ ذَكَرْتُهُ في نفسي، وما ذَكَرني في مَلَأٍ إلَّا ذَكَرْتُهُ في مَلأٍ خيرٍ مِن ملائِهِ».
  عِبَادَ اللهِ:
  المؤْمِنُ الحقُّ هُو مَنْ سَمِعَ فَوَعَى، وَعَمِلَ بِمَا سَمِعَ وَانْتَفَعَ بِالذِّكْرَى، أَمَّا مَنْ يَحْضُرُ إِلَى الْمَسجدِ بِجَسَدِه وَقَلْبُه غَافِلٌ، وَيَخْرُجُ كَمَا دَخَل، فَلَا خَيْرَ فِيه