سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 61 - الجزء 2

  عِبادَ الله:

  نَحْنُ بِحَاجةٍ أَنْ نَفْهَمَ مَا يُلْقَى عَلَى مَسَامِعِنَا، وَمَا يَقُوْلُه لَنا الْوَاعِظُونَ، وَنُجَاهِدَ أَنْفُسَنَا بِالْعَمَلِ بِمَا سَمِعْنَاه كما قال تعالى: {وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُوا مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً ۝ وَإِذاً لَآتَيْنَاهُمْ مِنْ لَدُنَّا أَجْراً عَظِيماً ۝ وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُسْتَقِيماً}

  وَمْوضُوعُنا اليومَ هُو فِي الذِّكْرِ وَهُوَ سَهْلٌ وَيَسِيْر، فَلْنُحَاوِلْ أَنْ نَبْدَأَ مِن الْآنَ، وأنْ نُنَظِّمَ لَنَا أَوْقَاتاً لِذِكْرِ اللهِ بَدَلاً مِن ضَيَاعِ الْعُمُرِ فِي اللَّهْوِ وَالَّلعِبِ وَالْخَوْضِ فِي مَا لَا طَائِلَ مِنْ وَرَائِهِ وَلا نَفْعَ، نحنُ فِي غِنًى عَنْ الْحدِيثِ فِي مَا لا يَعْنِيْنَا قال تعالى: {لَّا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِّن نَّجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} وَلسْنَا بِحَاجَةٍ إلى مَجَالِسِ الْقِيلِ وَالْقَالِ الّتِيْ لَا نَخْرُجُ مِنها إِلَّا بِأَحْمَالٍ من الذُّنُوبِ كَمَا وَرَدَ فِي الأثر: أنه ما جَلَسَ قَومٌ في مجلسٍ لم يُذكرْ فيِهِ اللهُ إلا قاموا كأنما قاموا من على جيفةِ حمارٍ، فَكَمْ مِنْ مَجْلِسٍ نَقْضِيْ فِيه السَّاعاتِ الطَّوِيْلَةَ، ولا نَسْمَعُ فِيهِ ذِكْراً لِلهِ وَلَا تُرَدَّدُ فِيهِ صَلاةٌ واحدةٌ عَلى النَّبيِّ ÷، وَقَدْ قَالَ ÷: «مَا مِن ساعةٍ تَمُرُّ على ابنِ آدمَ لم يَذْكُرِ اللهَ فيها إلا نَدِمَ عليها».

  عباد الله:

  لَمْ يَتْرُكْ لَنَا رَسُولُ اللهِ ÷ شَيْئاً مِنْ أَوْقَاتِنا إِلَّا وَخَصَّ لَهُ ذِكْراً، وَبَيَّنَ لَنَا فيه طَاعَةً فَجَعَل لِلنَّوْمِ دُعَاءً، وَلِلصَّبَاحِ دُعَاءً، وَعِنْدَ الْوُضُوءِ دُعاءً، وَعِنْدَ دُخُولِ الْمَسْجِدِ، وعند الخروجِ منه، وَبَعدَ الصَّلاةِ، وَفِي السَّفَرِ دُعَاءً، وَعِنْدَ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَحَتَّى عِنْدَ دُخُولِ الْحَمَّامِ والخُرُوجِ منه، وَعِنْدَ لَبسِ الثِّيابِ، وَعِنْدَ رُؤْيةِ البَرْقِ والرَّعدِ، وَحِينَ الْمَطَرِ. فَمَعَ كُلِّ شَيءٍ ذِكْرٌ، وَكُلُّ شَيءٍ وَلَه دُعَاءٌ، لَكنَِّ المُصِيبةَ أَنَّنَا لَا نَعِي وَلَا نَفْهَمُ، وَإِنْ فَهِمْنَا لَا نَعْمَلُ وَنَبْخَلُ أَنْ نَشْتَريَ وَلَو كِتاباً صَغيراً يَحوِي بَعضَ هَذِه الأَذكارِ والأورادِ، فمن ذلك على سبيل المثال: كتاب السفينة المنجية، وكتاب تحفة الأبرار، وغيرهما مما جمعه الأئمة والأفاضل