سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 66 - الجزء 2

  كُلُّ شَيْءٍ فِي سُوقِ اللهِ الْأَكبرِ مَقْبولٌ، وَكُلُّ مُتَاجِرٍ فِيه رَابحٌ لا يَخْسَرُ وَلا يَبورُ، وَبِأَغْلَى الْأَسْعَارِ وَأَرْفَعِ الْأَثْمانِ، مَهْمَا قَلَّتِ البِضاعةُ، وَمَهْمَا صَغُرتِ السِّلْعَةُ، فَهي عِنْدَ اللهِ مَقْبُولَةٌ لا تُرَدّ.

  بَلْ يُضاعِفُها اللهُ تعالى إِلى سَبْعِينَ ضِعْفًا مِن فَضْلِهِ الْواسعِ؛ إِنَّه جَوادٌ كريمٌ {إِنَّ اللّهَ لَا يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ وَإِن تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِن لَّدُنْهُ أَجْراً عَظِيماً}⁣[النساء ٤٠].

  إِنَّه مَوسمٌ يُوشِكُ أنْ يُفَارِقَنَا، وَأَيَّامُهُ عَمَّا قَليلٍ مُوَلّيةٌ، وَنحنُ فِي هَرَجٍ ومَرَجٍ لاهُونَ تَائِهون.

  فَمَن هُو الّذي أَغْتَنم الْفُرصَةَ، ورَابحَ في هذا السوقِ؟ مَن الَّذِي شَحَذ قِوُاه وَشَمَّرَ سَاعِدَ الجِدِّ فِي كَسْبِ الزَّادِ، وَالتّزَوُّدِ لِيومِ المعاد.

  عِبادَ الله:

  إِنَّ الحسنَةَ الآنَ بِسَبعينَ، والصلاةَ بِسَبعينَ، والصَّدقَةَ بِسَبعينَ، ويُوشِكُ أَنْ يَرحلَ هذا الشهرُ عَنَّا، فَتَذْهَبُ مَعه أَسْعارُه، وتَهبِطُ الأثمانُ، وتَقِلُّ الأُجورُ، ثُمّ نَتَحَسَّرُ حِينَ لا يَنفعُ التَّحَسُّرُ {فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعاً فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ}⁣[المائدة ٤٨].

  عِبادَ الله:

  الغَنيُّ يُمْكنُهُ أَنْ يُتاجِرَ فِي هَذا الشهرِ بِمَالِه، والْفَقِيرُ يُمكنُه أَنْ يُتاجِرَ بِلِسانِه وَيدِه، حَتّى المرأةُ والصّبيُّ والجاهلُ والْمُتَعلِّمُ والْأَعْمَى وَالْأَصّمُ وَالْأَبْكَمُ لَهمْ تِجَارَةٌ أَيضاً في هذا الشهرِ، فَفَضْلُه يَعُمُّ كُلَّ طَوَائِفِ الْأُمةِ وشَرائِحِها، إِنّه ليسَ حَكْراً على الْأَغنياءِ بِأَموالِهم فَقَطْ، وَلَا عَلَى الْعُلَمَاءِ وَالْمُتعلِّمين بِعلْمِهم، بَل إِنَّ اللهَ قَدْ نَشَرَهُ لِيَعُمَّ فَضْلُه كُلَّ فردٍ، وَيَصِلَ نَفعُهُ إِلى كُلِّ دَارٍ، فَمَا هُنَاك مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وَلَهُ فِيهِ كَسْبٌ ونَصِيبٌ، إِنَّ الْغَنِي يُمْكِنُه أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَالِه، فَيُطْعِمُ هَذا، وَيُعِينُ هذا، ويُفْرِحُ ذَاكَ، وَيَكْسُو عَارِياً، وَيُفَطِّرُ صَائِماً، وَيُداوِي مَرِيضاً.