سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 69 - الجزء 2

  {وَفِي ذَلِكَ فَلْيَتَنَافَسِ الْمُتَنَافِسُونَ}.

  إِنّ اللهَ قَدْ أَتَمَّ النِّعمةَ، وأَكَملَ الْحُجّةَ عَلَى كُلِّ فَردٍ، والْويلُ لِمنْ أَتَى رَبَّهُ بِيدٍ خَاليةٍ مِن الخيرِ، وَقَلبٍ خَالٍ مِن الإيمانِ، وَصَحَائِفَ بَيضَاءَ بِلا عَملٍ وَلا ثَوابٍ، وقد يَسَّرَ اللهُ له سُبُلَ الخيرِ والثَّوابِ، لِيَتَزَوَّدَ بِه لِيومِ فَقْرِهِ وَحَاجَتِهِ.

  تَزَوَّدْ مِن حَياتِكَ للْمَعَادِيْ ... وَقُمْ وَاجْمَعْ لَهَا مِنْ خَيرِ زَادِ

  وَلا تَرْكَنْ إِلى الدُّنْيَا كَثِيْراً ... فَإِنَّ المَالَ يُجْمَعُ لِلنَّفَادِ

  أَتَرْضَى أَنْ تَكُونَ رَفِيقَ قَوْمٍ ... لَهُمْ زَادٌ وَأَنْتَ بِغَيْرِ زَاد

  عَبْدَ الله:

  لَقَد يَسَّرَ اللهُ فِي هَذا الشَّهرِ سُبَلَ الخيرِ، وجَعلَهَا فِي مُتَنَاوَلِ كُلِّ يَدٍ، وَبِمقْدُورِ كُلِّ فَردٍ كَائِناً مَنْ كَان، أَنْ يَنَالَها، وَيَفوزَ بِالثوابِ بالسمعِ والنظرِ واللسانِ، وَكَذا غيرُها مِن الجوارحِ يُمكنُ كَسبُ الأجرِ والثّوابِ بِها كذلك، فَالْأيدِي مَثلاً لَم تُخْلَق لِتَكُدَّ فِي الدنيا فَحَسْبُ بل لِلآخِرةِ فِيها نَصيبٌ وَكَسْبٌ، فَما الْتَقَى مُؤمِنَانِ فَتَصَافَحَا إِلَّا كَانَا كاليدَين تَغْسِلُ إِحدَاهُمَا الأُخْرَى، قال ÷ فيما رواه أبو طالب: «إذا التقى المسلمان فتصافحا وحمدا الله واستغفراه غفر لهما»، وقال ÷: «من مشى في حاجة أخيه المؤمن فبالغ فيها قضيت أم لم تقضَ كتبت له عبادة سنة» وقد ورد عنه ÷: «أنا وكافل اليتيم كهاتين».

  واليدُ مِنْ أَعظمِ الجوارحِ في كسبِ الخيرِ، وَمِثْلُها القدمُ فَإنها وَسيلةٌ تُعينُ عَلَى الطَّاعَةِ وَفِعْلِ الخيرِ، فَما نَقَلَ العبدُ قَدَمَهُ وَلَا رَفَعَهَا ذَاهِباً فِي حاجةِ مؤمنٍ، أوْ زائراً لِرحمٍٍ أو أخٍ مؤمنٍ، أوْ خَارِجاً إِلى بيتٍ مِن بُيوتِ اللهِ - إِلَّا كَتَبَ اللهُ لَهُ بِكُلِّ خَطْوةٍ حسنةً، وَذَلكَ فضلُ اللهِ يُؤتيهِ مِن يَشاءُ.

  هَذَا كُلُّه فِي الأعضاءِ الظَّاهِرةِ، التي وَعدَ اللهُ عليها الأَجرَ والثوابَ، فَمَا بَالُك بِغيرِها، مَا بَالُك بِعملِ العقلِ في التَّدَبُّرِ، مَا بَالُك بِالقلبِ وَأَثَرِهِ في الخشوعِ، بَلْ مَا بَالُك بالتنفس الذي هو الشهيق والزفير، ذلك الهواءُ الذي يَخرجُ مِن