الخطبة الأولى
  لِعبَادَتِهِ حَداً مَحْدُوْداً، وَوَقْتاً مَعْلُوْماً لَا يُطَاعُ إِلَّا فِيه، بَلْ طَاعَةُ اللهِ وَعِبادَتُهُ مُقَلَّدَةٌ بِها أَعْنَاقُنَا مُدَّةَ أَعْمَارِنا، وَفِي كُلِّ مَكانٍ وَزَمَانٍ، فَشَهْرُ شَوّالٍ لَيسَ إِيْذَاناً بِانْتِهاءِ العِبَادَةِ لِلهِ، وَلَا غُرُوباً لِشَمْسِ الْخَوْفِ وَالْخَشْيَةِ، فَإلِى كُلِّ مَنْ أَجْهَدَ نَفْسَهُ فِي رَمَضَانَ، وَنَال مِنَ اللهِ الْفَوزَ وَالْغُفْرَانَ، إِيَّاكَ وَالْعُجْبَ، إِيَّاكَ وَالْاتِّكَالَ عَلَى عَمَلِ رَمضانَ، وَحَذَارِي مِنَ التّقْصِيْرِ فِيْمَا بَعْدَه مِنَ الشُّهُورِ.
  وَكَمَا قِيلَ: بِئْسَ الْقَوْمُِ قَوْمَاً لَا يَعْرِفُونَ اللَهَ إِلَّا فِي رَمَضَانَ، فَإِنَّ رَبَّ رَمضانَ هُوَ رَبُّ شَوَّالٍ وَشَعبانَ وصَفَرٍ وجُمَادَى، فَمَنْ تَهَاوَنَ بِأَوَامِرِ اللهِ وَقَصَّرَ فِي طَاعَتِهِ، وَقَطَعَ فُروضَ الصَّلاةِ، وَأَنْكَبَّ عَلَى الْمَعَاصِيْ، وَالْغِنَاءِ وَالْفُجُورِ وَهَتْكِ الْحُرُمَاتِ، فَإِنَّه بِفِعْلِهِ هَذا يُمْكِنُ أَنْ يَهدِمَ مَا قَدْ بَنَاهُ فِي مِآتِ السِّنِين فِي سَاعَةٍ واحِدة ويُحْبِطُ كلَّ أعمالِهِ في طَرْفَةِ عينٍ، ويَقْلِبُ على نفسِهِ حُكمَ العتقِ حكماً بالخلود في النار، وذلك قول الله: {وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً}[الفرقان ٢٣].
  وقوله تعالى: {ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ}[محمد ٢٨].
  عِبَادَ الله:
  إِنَّ انْتِهاءَ شَهْرِ رَمَضَانَ لَيسَ نِهايةً لِلطَّاعةِ والعِبادَةِ، وَإِنَّما هُو بِدَايَةُ حَياةٍ جَدِيْدَةٍ طَيّبةٍ، بِدَايةُ عُمُرٍ جَدِيدٍ لِمَنْ طَهَّرَهُ اللهُ مِنَ الخَطَايَا وَالذّنُوبِ، فَعَاد كَيومِ وَلَدتْهُ أُمُّهُ ذَلك لِمَن {خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى}[النازعات ٤٠]، فَهَنِيْئَاً لَهُ الْيَومَ بِجَائِزةِ رَبِّهِ، وَمُبَارَكٌ يومُ عِيْدِهِ وَفِطْرِهِ، وَليَحْرِصْ عَلَى حِرَاسَةِ عَملِهِ مِنَ المُحْبِطَاتِ فِي بَقِيَّةِ عَامِهِ، وَلْيُحَافِظْ عَلَى هَذه النّتيجةِ إِلى أَنْ يَلْقَى اللهَ.
  عِبادَ الله:
  إِذَا كَانَ هُنَاكَ مِنْ يَجْهَلُ شَهرَ رَمضانَ وَحُرْمَتَهُ، فَلا يَفُوْتَهُ أَنْ يَعْرِفَ مَفهومَ الْعِيدِ وَقَدْرِهِ، وَلْيَعلَمْ أَنَّ هَذَا اليومَ لَمْ يُسَمَّى عِيْداً لِأَنَّنَا تَحَرَّرْنَا فِيهِ مِنَ رِقِّ