سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 80 - الجزء 2

  الْعُبُودِيةِ، أَوْ أَنّ الصِّيَامَ وَالْقِيَامَ كَانَا قَيْدَين فَتَحَرَّرْنَا مِنْهُما، أَوْ أَنَّنَا نَحْتفِلُ بِخَلَاصِنَا مِنْ سِجْنِ الْمَسَاجِدِ، وَمِنْ آلَامِ الْجُوعِ وَالظَّمَأِ.

  وَأَيْضَاً لَيْسَ الْعِيْدُ فَرْحَةً بِعِيدِ مِيْلَادِ قَائِدٍ، وَلَا عِيدِ تَحْرِيرِ وَطَنٍ، وَلَا عِيدِ اسْتِقْلَالِ دَوْلَةٍ، نَلْهُو فِيهِ وَنَلْعَبُ، وَنَنْكَبُّ عَلَى الْمَلَذَّاتِ وَالْمُحَرَّمَاتِ، بِالرَّقْصِ وَالْغِنَاءِ وَمَزَامِيرِ الشَّيْطاَنِ، والْعُقُوقِ وَالْعِصْيَانِ، بَلْ إِنَّه أَعْظَمُ مِنْ كُلِّ ذَلك، فَهُوَ عِيدُ تَحْرِيرِ نَفْسٍ مِنْ نَّارٍ تَلَظَّى، وَعَذَابٍ سَرْمَدِيٍّ، فَإِيّانَا وَقَلْبِ الْمَوازِيْنِ، وَتَغْييرِ الْمَفَاهِيْمِ فَلَا نَتَّخِذُ هَذا اليومَ يَوْماً تُطْوَى فِيهِ صَفَحَاتُ الطَّاعةِ، وَتُفَتّحُ فِيهِ صَفحاتُ العِصْيَانِ.

  فَالْويلُ لِمَن تَلَطَّخَتْ يَداهُ فِي هَذا اليومِ وَغَيرِهِ بِالْإِثمِ وَالْعِصْيَانِ، وَمُصَافَحَةِ غَيْرِ مَحَارِمِهِ مِنْ النِّسَاءِ، أَوْ يُدَنِّسَ نَفْسَهُ بِالْقَبَائِحِ وَالآثَامِ.

  عِبادَ اللهِ:

  هَذا اليومُ يَومُ شَعِيرَةٍ مِنْ شَعَائِر اللهِ ø الَّتِي أَمَرَ بِتَعْظِيْمِها {وَمَنْ يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِنْ تَقْوَى الْقُلُوبِ}⁣[الحج ٣٢]، فَمَنْ يُجَابِهُ اللهَ بِالْعصيانِ بَعْدَ شَهْرِ الرَّحْمَةِ وَالْغُفرانِ، فَقَدْ بَارَزَ اللَهَ بِالعَدَاوةِ، وَأَقْحَمَ نَفْسَهُ فِي حَرْبٍ مَعَ اللهِ وَرَسُولِه، {ذَلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَّهُ عِندَ رَبِّهِ}⁣[الحج ٣٠].

  فَلْنُعَظِّمْ هذا اليومَ وَأَمْثَالَهُ بِالْأَعَمَالِ الصَّالِحَةِ، وَالتِّجَارةِ الرَّابِحَةِ.

  وَلْنُكْثِرْ مِنَ الدُّعَاءِ وَالصَّلَاةِ، وَالتَّهْلِيْلِ وَالتَّكْبِيرِ، وَالشُّكْرِ لَهُ ø، عَلَى نِعَمِهِ وَآلَائِه، بِصلَةِ الأَرْحَامِ، وَزِيَارَةِ الْأَقَارِبِ وَالْجِيْرَانِ، وَمُوَاسَاةِ الضّعَفَاءِ وَالْأَرَامِلِ وَالْأَيْتَامِ، وَبَثِّ الْأُلْفَةِ بَينَ الْمُؤْمِنِينَ، وَإِصْلَاحِ ذَاتِ البَيْنِ، وَمُعَاوَنَةِ الضَّعِيفِ، وَإِدْرَاكِ الّلهْيِفِ، وَإِدْخَالِ الْفَرْحَةِ إِلَى قُلُوبِ الْفُقَرَاءِ وَالْمُحْتَاجِينَ وَالْبَائِسِيْنَ وَالْمَحْرُومِينَ.

  عِبادَ الله:

  إِذَا كُنْتُمْ تَضْحَكُوْنَ وَتَمْرَحُونَ، فَهُنَاكَ الْمَرْضَى وَالْعَجَزَةُ وَالْمُعَاقُونَ، الذِينَ أَقْعَدَهُمْ الْكِبَرُ وَأَنْهَكَهُمُ الْمَرَضُ، يَتَمَرَّغُوْنَ فِي الْغُرَفِ الْمُظْلِمَةِ عَلَى ظُهُورِهِم