سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 81 - الجزء 2

  مُسَنَّدِيْنَ، يَعْتَصِرُ الْأَلَمُ نُفُوسَهُمْ، وَالْحُزْنُ قُلَوَبَهم.

  يَسْكُبُونَ الْعَبَرَاتِ عَلى الْخُدُوْدِ، لَمْ يَعْرِفُوا لِلرَّاحَةِ طَعْماً، وَلَمْ يَسْتِلِذُّوا فِي مَضَاجِعِهِم بِنَوْمٍ، يَحْتَاجُونَ لِمَنْ يُوَاسِيْهِم وَيُعْزِّيهِمْ، وَيَرسُمُ عَلَى تِلكَ الْوُجُوهِ الشَّاحِبَةِ وَالشِّفَاهِ الذَّابِلَةِ ابْتِسَامَةَ الْعِيدِ وَفَرْحَتَهُ، بِزِيَارَةٍ تُدْخِلُ عَلَيهِمَا الْأُنْسَ وَالْبَهْجَةَ وَالْغِبْطَةَ وَالسُّرُوْرَ.

  وَإِذَا كُنَّا بِينَ أَطْفَالِنَا وَأَهْلِينَا فِي أَتَمِّ الْبَهْجَةِ وَالسُّرُوْرِ، فِي كَامِلِ الزِّيْنَةِ وَالْكسْوَةِ الْفَاخِرَةِ، فَلْنَتَذَكَّرْ أُسَرًا وَعَوَائِلَ بَيْنَ أَظْهُرِنا تَمْلَأُ قُلُوْبَهم الْحَسْرَةُ وَالْأَسَى، لَا يَجِدُونَ مَا يَسُدُّوْنَ بِهِ جُوْعَهُمْ، فَضْلاً عَنِ الْكِسْوَةِ وَجَعَالَةِ الْعِيْدِ، الَّتِيْ طَالَمَا حَلمُوا بِها فَحُرِمُوهَا، وَلَبِسُوا الْبَالِيَ وَالْمَغْسُولَ؛ لِشِدَّةِ فَقْرِهِم وَحَاجَتِهم، وَمِنْهُم الَّذِينَ لَا يَجِدُون الْمَأوَى وَالْمَسْكَنَ، بَلْ يَنَامُونَ فِي الْخَلَاءِ، يَفْتَرِشُونَ الْأَرْضَ وَيَلْتَحِفُوْنَ السَّمَاءَ، فَلَا بَيْتَ يَأْوِيْهِمْ، وَلَا سَقْفَ يَحْمِيْهِمْ، وَلَا فِراشَ وَلَا دِفْأ، وَمِنْهُمْ الْيَتِيْمُ الّذِي فَقِدَ وَالِدَيْهِ، وَفَقِدَ الْعَطْفَ وَالْحَنَانَ.

  فَمِنْ شَعَائِرِ هَذا الْعِيدِ أَنْ نَمُدَّ يَدَ الْعَوْنِ لِمِثْلِ هَؤُلَاءِ الْمَسَاكِينِ مِنَ النَّاسِ؛ لِنَمْسَحَ عَلَى تِلْك الْقُلوبِ البَائِسَةِ، مَسْحَةَ عَطْفٍ وَحَنَانٍ، تَسْكُنُ بِهَا الْقُلُوبُ، وَتُجْلا بِها الْأَحْزانُ، وَلْنَتَذَكَّرْ قَوْلَ اللهِ تعالى: {وَلْيَخْشَ الَّذِينَ لَوْ تَرَكُوا مِنْ خَلْفِهِمْ ذُرِّيَّةً ضِعَافاً خَافُوا عَلَيْهِمْ فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً}⁣[النِّساء ٩]، وَمَنْ نَفَّسَ عَنْ مُؤمِنٍ كُرْبَةً مِن كُرَبِ الدُّنْيَا، نَفَّسَ اللهُ عَنْهُ كُرْبَةً مِن كُرَبِ يَومِ الْقِيَامَةِ.

  وَلْنَكُنْ مِمَّنْ قَال اللهُ فِيهم: {الَّذِينَ يُنفِقُونَ فِي السَّرَّاء وَالضَّرَّاء وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ}⁣[آل عِمران ١٣٤].

  بَارَكَ اللهُ لِيْ وَلَكُمْ فِي الْقُرْآنِ الْعَظِيْمِ، وَنَفَعَنِيْ وَإِيَّاكُمْ بِمَا فِيهِ مِنَ الْآيَاتِ وَالذِّكْرِ الْحَكِيْمِ، إِنَّه تَعَالَى جَوَادٌ مَلِكٌ رَؤُوْفٌ رَحِيْم، فَاسْتَغْفِرُوه؛ إِنَّه هُو الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

  اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ، اللهُ أَكْبَرُ.