سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 94 - الجزء 2

  ووئام، ولا معنى للمصافحة إن لم تكن النفوس متسامحة.

  لا فائدة في المصافحة والوجوه كالحة، ولا معنى للمزاورة والقلوب متنافرة، يقول الرسول ÷: «لاَ يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ»، ويقول في حق المعتذر: «من لم يقبل العذرَ من محق أو مبطل لا ورد علي الحوض».

  فالعيد أيها الإخوة، مناسبة عظيمة للعفو والتصالح، فعلينا أيها الإخوة، قبل أن نطهر ظواهرنا وننظف ثيابنا ونطيبها أن نطهر بواطننا من الأحقاد والضغائن، وأن تَطِيبَ نفوسنا ونتجاوز عمن أساء إليها، فمن عفا وأصلح فأجره على الله، ولتتصافح قلوبنا قبل أن تتصافح أيدينا، ولتبتسم ضمائرنا قبل أن تبتسم شفاهنا، ولنتجاوز عن بعضنا ليتجاوز الله عنا.

  فعن النبي ÷: «إِنَّ أَفْضَلَكُمْ إِيمَاناً أَحْسَنُكُمْ أَخْلاقاً؛ المُوَطِّئُونَ أَكْنَافاً، الوَاصِلُونَ لأرْحَامِهِمْ، البَاذِلُونَ لِمَعْرُوفِهِمْ، الكَافُّونَ لأذَاهُمْ، العَافُونَ بَعْدَ قُدْرَةٍ».

  فاليوم يوم عفو ورحمة أراد الله فيه أن نسعد ونبتهج ونتناسى ما بيننا من خلافات، ونتواصل ونتباذل ونتزاور، ونعطف على الضعفاء والفقراء والمحتاجين، وأن نتعاهد جيراننا بالإفضال والعطية، ونصل أرحامنا بالبر والصلة، ونحسن إليهم وبخاصة النساء والأطفال، فهم وصية الله ورسوله إلينا، فمن زار رحمه فَلْيَجُدْ عليه بالعطية، وليصله بالهدية ولا يبخل، فكثير من الأرحام لا زال حقهم في أعناقنا فإن أعطينا فذلك من ميراثهم عندنا.

  ألا وإن خير الصدقة ما كانت على الأقارب والأرحام كما قال تعالى: {يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ خَيْرٍ فَلِلْوَالِدَيْنِ وَالْأَقْرَبِينَ}⁣[البقرة ٢١٥]، فمن لم يستطع فبالكلمة الطيبة والقول الحسن والتواصل والتزاور، فإن صلة الرحم كما ورد عن النبي ÷ تزيدُ المالَ وتطيلُ العمرَ وتزيدُ في الأجل وتبارك في الرزق.