الخطبة الأولى
  فواتِ الأوانِ حينَ لا ينفعُ ندمٌ ولا حسرةٌ، حينَ يقفُ على حافةِ الهاويةِ، حينَ يصلُ إلى آخرِ المطافِ، وتتعطلُ جميعُ القوى، وتُغْلَقُ جميعُ الأبوابُ.
  عندها سيتذكرُ بأنه قد أفرطَ في الغفلةِ والتغابي، وقَصَّرَ في العملِ والطاعةِ.
  ذلكَ حينَ يجدُ نفسَهُ فقيرًا عاطلًا من كُلِّ خيرٍ، وقدِ انْقَطَعَتْ بِهِ السُّبُلُ وانقطعَ خَطُّ العودةِ والرجوعِ.
  سيتذكَّرُ حينَ يقفُ في مَحَطَّةِ المغادرةِ إلى الدارِ الآخرةِ، وهوَ على فراشِ الموتِ عندَ الغرغرةِ {يَوْمَ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ لَا بُشْرَى يَوْمَئِذٍ لِّلْمُجْرِمِينَ وَيَقُولُونَ حِجْراً مَّحْجُوراً ٢٢ وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاء مَّنثُوراً}، سيتذكرُ حينَ يستقلُّ قطارَ الموتِ في ذلك السفرِ البعيدِ، في ذلك الطريقِ الطويلِ، وهو يتأهبُ لذلك السفرِ البعيدِ سيتذكرُ الرحلةَ الشاقةَ.
  سيتذكرُ وهو في تلكَ الغربةِ الطويلةِ تلكَ الأوقاتِ التي مَنَحَهُ اللهُ فَضَيَّعَ ستينَ عامًا مِن العمرِ في غيرِ فائدةٍ، حينَ يطلبُ من اللهِ أن يعيدَهُ إلى الدنيا ليعملَ فَيَرُدُّ عليهِ اللهُ: {أَوَلَمْ نُعَمِّرْكُم مَّا يَتَذَكَّرُ فِيهِ مَن تَذَكَّرَ وَجَاءكُمُ النَّذِيرُ فَذُوقُوا فَمَا لِلظَّالِمِينَ مِن نَّصِيرٍ}
  سيتذكرُ ما وَهَبَهُ اللهُ مِن العُمرِ مِن أجلِ أنْ يُعِدَّ الزادَ، ويتأهبَ للسفرِ بكلِّ ما أُوتَيَ مِن جهدٍ وقوةٍ.
  كما قال تعالى: {وَمَا تَفْعَلُوا مِنْ خَيْرٍ يَعْلَمْهُ اللّهُ وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ}.
  ذلك هو السفرُ إلى الآخرةِ، إلى اليومِ الآخرِ، الذي حذرَنا اللهُ مِن شدتِهِ، ونَدَبَنا للاستعدادِ لَهُ، وأخذَ الوقايةَ مِن أهوالِهِ، حيثُ قالَ عزَّ مِنْ قائلٍ: {وَاتَّقُوا يَوْماً تُرْجَعُونَ فِيهِ إِلَى اللّهِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ} إنه اليومُ الشديدُ العظيمُ المحنةِ، الذي تَعَوَّذَ مِنهُ رسولُ اللهِ ÷.
  اللهمَّ إنا نَعُوذُ بِكَ مِن يومٍ أولُهُ فزعٌ، وأوسَطُهُ جَزَعٌ، وآخِرُهُ وَجَعٌ، والذي