سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 165 - الجزء 2

  خَشِيَ شدَّتَهُ، وتحاشى كُرْبَتَهُ أميرُ المؤمنينَ وسيدُ الوصيينَ، وصَرَّحَ بخوفِهِ منهُ، كما حكى اللهُ عنهُ وعن زوجتِهِ فاطمةَ الزهراءِ وأهلِ بيتهِ بقولهم: {إِنَّا نَخَافُ مِنْ رَبِّنَا يَوْماً عَبُوساً قَمْطَرِيراً}.

  ذلك اليومُ الذي سوفَ يكونُ مجمعًا لكلِّ الخلائقِ، قديمِها وحديثِها، حَيِّها وميِّتِها، أولِها وآخِرِها، كبيرِها وصغيرِها، جِنِّها وإنسِها، وُحُوشِها وطَيرِها.

  {إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَةً لِّمَنْ خَافَ عَذَابَ الآخِرَةِ ذَلِكَ يَوْمٌ مَّجْمُوعٌ لَّهُ النَّاسُ وَذَلِكَ يَوْمٌ مَّشْهُودٌ}

  يومَ ينشغلُ فيه كلُّ مخلوقِ بنفسِهِ، ويتبرأُ مِن كلِّ قريبٍ وبعيدٍ، {يَوْمَ تَأْتِي كُلُّ نَفْسٍ تُجَادِلُ عَن نَّفْسِهَا وَتُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَّا عَمِلَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}

  ذلك اليومُ الذي تنقطعُ فيه الصِّلاتُ، وتُرفعُ منه الرحمةُ، وتنقطعُ فيه كلُّ وشائجِ الرحامةِ والقرابةِ والصحبةِ، ولا يبقى مَنْ يحِنُّ على أخيهِ أو ولدِهِ أو أبيهِ {يَوْمَ يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ٣٤ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ٣٥ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ٣٦ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}

  {إِنَّ يَوْمَ الْفَصْلِ مِيقَاتُهُمْ أَجْمَعِينَ ٤٠ يَوْمَ لَا يُغْنِي مَوْلًى عَن مَّوْلًى شَيْئاً وَلَا هُمْ يُنصَرُونَ ٤١ إِلَّا مَن رَّحِمَ اللَّهُ إِنَّهُ هُوَ الْعَزِيزُ الرَّحِيمُ} {هَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنتُمْ لَا تَعْلَمُونَ ٥٦ فَيَوْمَئِذٍ لَّا يَنفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ}

  إنه يومُ قطيعةٍ ويومُ جفاءٍ، ويومُ نُكْرَانٍ، ويومُ عداءٍ وخصامٍ، {وَإِنْ تَدْعُ مُثْقَلَةٌ إِلَى حِمْلِهَا لا يُحْمَلْ مِنْهُ شَيْءٌ وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى} ذلك اليومُ يُنسى فيه المعروفُ، ويُنكرُ فيه الجميلُ بين الخِلَّانِ، وتنقطعُ علائقُ الصحبةِ والقربى والنسبِ، {فَإِذَا نُفِخَ فِي الصُّورِ فَلَا أَنسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءلُونَ}

  ما مصيرُ مَن حَضَرَ يومَه ذلك، وَدَعَوْهُ إلى ذلك السفرِ وقد انقضى عمرُهُ، وانتهتْ مُدَّةُ حياتِهِ وهو مُفْلِسٌ؟ ما موقفُ من حضرَ ذلك اليومَ وهو فقيرٌ، لا يملكُ مِنَ الطاعةِ لا كثيراً ولا قليلا؟