سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 166 - الجزء 2

  عبد الله:

  أتدري ما معنى الإفلاسِ في اليومِ الآخرِ؟ معناهُ أن تأتيَ وصحائفُك بيضاءُ مِنَ الخيرِ، وأنت فقيرٌ لا تملكُ من الحسناتِ ما تدفعُ بهِ عن نفسِكَ العذابَ، وظهرِكَ مثقلٌ بالخطايا والذنوبِ، وأنتَ غارقٌ في الدَّينِ للناسِ، لا أعني دَيْنَ الفلوسِ والمالِ فقط، بل دَينَ الأعراضِ والحقوقِ، كلٌّ يتقاضى حقَّهُ مِنكَ، ويطالبُ بالاقتصاصِ والتناصفِ، من الهتكِ للأعراضِ في الدنيا، فالظلمُ والغيبةُ والنميمةُ والأذيةُ للناسِ لم تذهبْ سدىً، بل جاءَ وقتُ القضاءِ وأداءِ الدينِ، وظَهَرَ الغرماءُ، وقد جاءوا يتقاضون دَيْنَهم أمامَ العدالةِ العظمى، جاءوا ليطالبوا بحقوقِهم، فبماذا تُوفِّيهم حقَّهم وليس بيدِك شيءٌ.

  تصور ما حالُ مَنْ كان مِنْ أولئكَ المفلسينَ! ماذا لو كنتَ واحدًا منهم - والعياذ بالله - بِمَنْ ستلجأُ، وبِمَن سوفَ تستنجدُ؟

  مَنْ لك في تلكَ الشدةِ، وبِمَنْ تلوذُ وإلى مَنْ تلجأُ؟

  كلٌّ مشغولٌ بنفسِهِ مُهْتَمٌّ بأمرِهِ، يبحثُ عن مخلصٍ لَهُ، قد نَسِيَ كلَّ ما حواليه، ويهربُ ممن يليه {يوم يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ ٣٤ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ ٣٥ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ ٣٦ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ}

  أينما ذهبَ رجعَ بالخيبةِ، ومَنْ سألَهُ أدارَ إليه ظهرَهُ، ولم يلتفتْ إليه، ولم يسمعْ لقولِهِ، حتى أقربَ الناسِ إليه، وخاصة الخاصة لديه من أقربائِهِ وممن يليه، كلهم يهربُ منه، ويتنكرُ له وكأنه لا يعرفُهُ.

  أبناؤه وأحبابُهُ الذين كان يتعبُ ليستريحوا، ويسهرُ ليناموا ويكدُّ ليشبعَ جوعَهم، ويجوعُ ليشبعوا، أولئك الذين عادى الناسَ لأجلِهم، وتغربَ لسدِّ حاجتِهم، كلُّهم اليومَ يتبرأُ منه، ولا أحدَ منهم يجيبُ دعائِهِ، ولا يسدُّ فقرَهُ وحاجتَه في ذلك اليومِ.

  كما يُروى بأن الأمَّ تنادي ولدَها: أيْ بنيَّ، فيقول: ماذا تريدين يا أماه؟