الخطبة الأولى
  في تفسيرِها الأريبُ، إنها مواقفُ وأحداثٌ لو عقلَتْها القلوبُ لمارتْ في الصدورِ، لهولِ ما ترى، {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ إِنَّ زَلْزَلَةَ السَّاعَةِ شَيْءٌ عَظِيمٌ ١ يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ وَتَضَعُ كُلُّ ذَاتِ حَمْلٍ حَمْلَهَا وَتَرَى النَّاسَ سُكَارَى وَمَا هُم بِسُكَارَى وَلَكِنَّ عَذَابَ اللَّهِ شَدِيدٌ}.
  موقفٌ مذهلٌ مهيبٌ يرجعُ عنه نظرُ الناقدِ البصيرِ كليلاً حسيراً، خاسئاً وهو حسيرٌ.
  موقفٌ بين العبدِ ونهايتِهِ وما تحملُ في طياتِها مِن عِبَرٍ وعظاتٍ، وآياتٍ بيناتٍ لا يُلقي لها بالًا، ولا يُعِدُّ لها سِربالًا، ولا تُغيِّرُ فيه حالًا.
  عباد الله:
  إن القرآنَ حقٌّ، ومَن أصدقُ مِن اللهِ قيلًا، وكفى به ناصحاً ونذيرًا {إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ وَقُرْآنٌ مُّبِينٌ ٦٩ لِيُنذِرَ مَن كَانَ حَيّاً وَيَحِقَّ الْقَوْلُ عَلَى الْكَافِرِينَ} وحقَّ لمن قرأ آياتِهِ وتدبرَ بيناتِهِ ألَّا يهدأَ لهُ بالٌ ولا يستلذُّ بطعامٍ، ولا يهنأُ بمنامٍ وبعده ما بعده من الأهوالِ والأحزانِ.
  إنه اليومُ الموعودُ، والموقفُ المشهودُ، إنهم يرونَهُ بعيدًا ونراهُ قريبًا، إنه لقولٌ فصلٌ وما هو بالهزلِ، إنهم يكيدون كيدًا وأكيدُ كيدًا فمهلِ الكافرين أمهلهم رويدًا.
  عبدَ الله:
  ماذا تساوي حياةُ أحدنِا أمامَ اليومِ الآخرِ؟ وهل يُقاسُ هذا العمرُ القصيرُ باليومِ الموعودِ؟ إن عمرَ الواحدِ منا إذا بلغ غايتَه بلغ المائةَ عامٍ، بينما اليومُ الواحدُ من أيامِ الآخرةِ يقدرُ بألفِ سنةٍ من أيامِ الدنيا، {وَإِنَّ يَوْماً عِندَ رَبِّكَ كَأَلْفِ سَنَةٍ مِّمَّا تَعُدُّونَ} وأما يومُ الحسابِ والجزاءِ فإنه يقدرُ وحدَهُ بخمسين ألفَ سنةِ، أي أنَّ يومَ الحسابِ يساوي عمرَ البشريةِ منذ أن خلقَ اللهُ أبينا آدمَ # إلى يومِنا هذا.
  فأينَ الحلماءُ أهلُ العقولِ الراجحةِ؟ أين أولو الألبابِ وأهلُ الفطنةِ الذين