سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 204 - الجزء 2

  هو زهرةُ الشبابِ، وكمالُ القوةِ وتمامُ العقلِ، بشرطِ إن صفى من الهمِّ والنكدِ والبلى والمرضِ، وهذا الشبابُ هو رأسُ مالِ الإنسانِ الذي يكسبُ به الجنةَ أو يهوي به في النارِ، حين يُسأل عن عمره فيمَ أفناه، وعن شبابه فيمَ أبلاه؟

  هذا الشبابُ الذي أضاعَهُ فأضاعَ كلَّ شيءٍ ومن أجله ضحى بأَنْفَسِ ما لديه، وهي نفسه التي بين جنبيه، وأورَدَها المهالك بين مقطعات النيران وخسر البيع {قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ}

  عباد الله:

  إن وراءَنا يوماً شديداً، حذرنا اللهُ منه وخوَّفَ وتهددَ وتوعدَ، يومًا لا تقوى الجبالُ الراسياتُ مع عظمِها على الصمودِ لأهوالِهِ وشدائدِه ..

  فكيف بابنِ آدمَ: الذي تؤلِمُهُ البقَّةُ، وتقتلُهُ الشرقةُ، وتنتنه العرقةُ، الذي لا يحتملُ حرَّ أيامِ الصيفِ، ولا يطيقُ الصبرَ عن الماءِ والطعامِ، ولا طاقةَ له على الوقوفِ على قدميه لساعاتٍ، وتزهقُ نفسُهُ من الضجيجِ والزحامِ، كيف يكونُ حالُهُ في يومِ الحسابِ وميدانِ الحشرِ، بما حواه من آلامٍ ومشاقٍ ومتاعبَ على المجرمين، تحتَ لهيبِ الشمسِ الحارقةِ، وبينَ شدةِ الزحامِ، وتعبِ الوقوفِ على الأقدامِ، ومكابدةِ آلامِ الجوعِ والظمأ، لآلافَ السنينَ والأعوام، في العُري وبين الفضائحِ، ونشر المطوي من القبائحِ يومَ يكشفُ المخفيُّ ويظهرُ المستورُ، وتُكشفُ السرائرُ وما تُخفي الضمائرُ {يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ ٩ فَمَا لَهُ مِن قُوَّةٍ وَلَا نَاصِرٍ}.

  عباد الله:

  هل يكفي العبدَ ألمُ هذا اليومِ وشدتِه، وهولِه ووحشتِه؟ ليكون جزاءً له على ما اقترفَ في حياتِهِ، وفَرَّطَ به من أمرِ ربه؟

  كلا ... واللهِ ليسَ إلى ذلك مِن سبيلٍ! بل إن كلَّ الأهوالِ والشدائدِ التي يمرُّ بها العبدُ المجرم في القيامةِ والحشرِ ومواقفِ الحسابِ - ليست إلا جلسةً