سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 219 - الجزء 2

  كُنْتَ فِي غَفْلَةٍ مِنْ هَذَا فَكَشَفْنَا عَنْكَ غِطَاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَدِيدٌ}

  (نار): نون وألف وراء، ما أخفَّ لفظَها وما أيسرَ نطقَها، ولكن بين طياتِها من الأهوالِ ما لا تقومُ لَهُ السماءُ ولا الأرضُ، أوقدَ عليها ألفَ عامٍ حتى أحمرتْ، وألفَ عامٍ حتى اصْفرتْ، وألفَ عامٍ حتى اسودتْ، فهي سوداءُ مظلمةٌ، نارُكم هذه جزءٌ مِن سبعينَ جزءٍ من نارِ جهنمَ، ولولا أنَّها قد غُسلتْ في سبعين ماء ما أطاقَ آدميٌّ أن يسعرَها {أَفَرَأَيْتُمُ النَّارَ الَّتِي تُورُونَ أَأَنتُمْ أَنشَأْتُمْ شَجَرَتَهَا أَمْ نَحْنُ الْمُنشِؤُونَ نَحْنُ جَعَلْنَاهَا تَذْكِرَةً} تذكر بالنارِ الكبرى نارَ الآخرةِ {وَمَتَاعاً} أي منفعةً {لِّلْمُقْوِينَ}.

  لقد فازَ وربِّ الكعبةِ المخفونَ، ألا وإن النجاةَ من النارِ فوزٌ لا يقدَّرُ وربحٌ لا يصفُهُ الواصفونَ، ولو لم يكنْ هناكَ مِن جنةٍ فإن السلامةَ مِن النارِ نعيمٌ وأيُّ نعيمٍ، ولو عادَ الآدميُّ طينًا.

  عباد الله:

  تعالَوا معي إلى رحلةٍ عبرَ الكتابِ والسنةِ لنلقيَ نظرةً خاطفةً على بعضِ صفاتِ النارِ علَّ القلوبَ أنْ تخشعَ، والعيونَ أن تدمعَ، والنفوسَ أن تخضعَ، ولعلَّ المقصرَ أن يؤوبَ، والعاصيَ أن يتوبَ، تأملوا معي حالَ من أُلقيَ فيها وغمرتْهُ بدخانِها مغلولةً يداه إلى قفاه، ذابلةً شفتاه، وشاخصةً عيناه، يشكي الجوعَ والظمأَ، والحرَّ والعناءَ، يدعو بالويلِ والثبورِ وعواقبِ الأمورِ {وَإِذَا أُلْقُوا مِنْهَا مَكَاناً ضَيِّقاً مُقَرَّنِينَ دَعَوْا هُنَالِكَ ثُبُوراً} وما إنْ تراه النارُ حتى تضطرمَ في بعضِها، ويزمجرَ لهبُها {إِذَا رَأَتْهُم مِّن مَّكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظاً وَزَفِيراً} {تَكَادُ تَمَيَّزُ مِنَ الْغَيْظِ كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ} تنادي وتقولُ: آتني يا ربِّ ما وعدتني {إِنَّهَا تَرْمِي بِشَرَرٍ كَالْقَصْرِ ٣٢ كَأَنَّهُ جِمَالَتٌ صُفْرٌ}.