سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 220 - الجزء 2

  حالها يا ربِّ اشتدَّ حري واضطرمَ لهبَي وأكلَ بعضي بعضًا، فهل مِن مزيدٍ هل من مزيدٍ؟ {كَلَّا إِنَّهَا لَظَى ۝ نَزَّاعَةً لِلشَّوَى ۝ تَدْعُو مَنْ أَدْبَرَ وَتَوَلَّى} فتلفحُهُ بِسَنا لهبِها، وتجرُّهُ بزمامِ دخانِها لتلقيَ بهِ بينَ طياتِها، وتحضنُهُ بين طبقاتِها، ليهويَ سبعينَ عامًا، حتى يصلَ إلى قعرِها، سبعينَ خريفًا يهوي مدةَ عمرِهِ وزمنَ عصيانِهِ، {جَزَاء وِفَاقاً ٢٦ إِنَّهُمْ كَانُوا لَا يَرْجُونَ حِسَاباً ٢٧ وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا كِذَّاباً ٢٨ وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْنَاهُ كِتَاباً ٢٩ فَذُوقُوا فَلَن نَّزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَاباً}

  يا أيُّها الغافلُ غيرُ المغفولِ عنه والناسي غيرُ المنسي، يا صبيحَ الوجهِ، يا منيرَ الغرةِ، أينَ أنت؟ استيقظْ مِن سُباتِكَ وانتبهْ مِن نومِكَ إنَّ الأمرَ جدٌّ فجِدَّ، ولا تعللْ نفسَكَ بالمنى فإنَّ كلَّ خسارةٍ قد تعوضُ، وكلُّ خطأٍ يمكنُ تدارُكُهُ، إلا خسارةَ الجنةِ واستحقاقَ السعيرِ فإنه كَسْرٌ لا يُجبرُ، وجرحٌ لا يندملُ، وندمٌ ولاتَ حينَ مَنْدَمٍ، ولاتَ حينَ مَنَاصٍ، {وَلَوْ تَرَى إِذِ الْمُجْرِمُونَ نَاكِسُو رُؤُوسِهِمْ عِندَ رَبِّهِمْ رَبَّنَا أَبْصَرْنَا وَسَمِعْنَا فَارْجِعْنَا نَعْمَلْ صَالِحاً إِنَّا مُوقِنُونَ} قال الله: {فَذُوقُوا بِمَا نَسِيتُمْ لِقَاء يَوْمِكُمْ هَذَا إِنَّا نَسِينَاكُمْ وَذُوقُوا عَذَابَ الْخُلْدِ بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ} يبكونَ في النارِ حتى تنقطعَ الدموعُ، فيبكونَ دمًا، حتى تنقطعَ أصواتُهم وتتمزقَ أكبادُهم، ويدعونَ ألفَ سنةٍ، يا مالكُ ليقضِ علينا ربُّك، يا مالكُ أثقلنا الحديدُ، يا مالكُ أثقلتنا القيودُ، يا مالكُ آلَمَنا الوعيدُ، فيردُّ عليهم: إنكم ماكثونَ، ثم يدعون حتى تتفتتَ أكبادُهم قائلينَ: {يَا مَالِكُ لِيَقْضِ عَلَيْنَا رَبُّكَ} فيأتيهم الجوابُ بعد مدةٍ {قَالَ إِنَّكُم مَّاكِثُونَ ٧٧ لَقَدْ جِئْنَاكُم بِالْحَقِّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَكُمْ لِلْحَقِّ كَارِهُونَ} {وَقَالَ الَّذِينَ فِي النَّارِ لِخَزَنَةِ جَهَنَّمَ ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْماً مِّنَ الْعَذَابِ ٤٩ قَالُوا أَوَلَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُم بِالْبَيِّنَاتِ قَالُوا بَلَى قَالُوا فَادْعُوا وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ} فيقولُ بعضُهم لبعضٍ: ادعوا ربَّكم فليس أحدٌ أرحمُ منه فيجأرونَ لَهُ بالدعاءِ {قَالُوا رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا وَكُنَّا قَوْماً ضَالِّينَ ١٠٦ رَبَّنَا أَخْرِجْنَا