الخطبة الأولى
  مِنْهَا فَإِنْ عُدْنَا فَإِنَّا ظَالِمُونَ} فيأتيهم الجوابُ بعدَ مدةٍ تتفتتُ له الأكبادُ، وتتقطعُ له القلوبُ {قَالَ اخْسَؤُوا فِيهَا وَلَا تُكَلِّمُونِ} إنه اليأسُ والقنوطُ فلا تسألْ عن حالِهم إنما هو الشهيقُ والزفيرُ والبكاءُ والعويلُ.
  طال زفيرٌ فلم يُرحم تضرعهم ... هيهاتَ لا رقةَ تغني ولا جزعُ
  وليت الأمرَ يقفُ عند هذا الحدِّ، بل هناك وفي طياتِها وبين شعابِها وجبالِها ألوانٌ وصورٌ من العذابِ تقفُ لها الهامُ، وتشيبُ لهولِها الرؤوسُ، ولكن ما أقلَّ المعتبر والمتدبر، وما أكثرَ المعرضين الذين غشيَتهم الضلالةُ وغطى على قلوبِهم الرانُ.
  عباد الله:
  ما آلمَ حياتِ الدنيا، وما أبشعَ منظرَها، وما أحرَّ سُمَّها مع صغرِها وضعفِها، فأينَ أنتَ عبدَ اللهِ من حياتٍ كأعناقِ الجمالِ، وعقاربٍ كالبغالِ إذا رأتْ أصحابَ النارِ زحفتْ نحوَهم لتلتفَ حولَ أجسادِهم، وتصوبَ لدغَتَها إلى وجوهِهم، ومع شدةِ ما بهم مِن البلاءِ والشدةِ من هولِ العذابِ تُنسيهم هذه اللسعةُ عذابَ النارِ وإنه ليجدُ حموتَها ويشكو أَلَمَ سُمهِّا أربعينَ خريفًا، وما إنْ يصلَ سمُّها إلى جوفهِ حتى يتساقطَ لحمُهُ ويذوبَ جسدُه لتبدوَ العظامُ عاريةً، وكلما نضجتْ جلودُهم بدلناهم جلودًا غيرَها ليذوقوا العذابَ.
  آهٍ من نارٍ تنضجُ الأكبادَ والكلى، آهٍ من لفحاتِ لظى، آهٍ من سمومِ حياتٍ وعقاربٍ تُنسي الحميمَ وتذرُ العظامَ رميمًأ.
  قال ÷ فيما روي عنه: «إنَّ في جهنمَ سبعينَ ألفَ وادٍ وفي كلِّ وادٍ سبعونَ ألفَ شعبٍ وفي كلِّ شعبٍ سبعونَ ألفَ ثعبانٍ وسبعونَ ألفَ عقربٍ لا ينتهي الكافرُ والمنافقُ حتى يواقعَ ذلك كلَّهُ»
  وقال ÷ فيما روي عنه: «يُلقى على أهلِ النارِ الجوعُ حتى يعدلَ ما هم فيه من العذابِ» فيستغيثونَ بالطعامِ فيُؤتَوْنَ بالزقومِ، وما أدراكَ ما الزقومُ؟ {إِنَّ شَجَرَةَ الزَّقُّومِ ٤٣ طَعَامُ الْأَثِيمِ ٤٤ كَالْمُهْلِ يَغْلِي فِي الْبُطُونِ ٤٥ كَغَلْيِ الْحَمِيمِ}