سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الثانية

صفحة 225 - الجزء 2

  إلى اللهِ، وَعَظَنا الزمانُ فلم نتعظْ، وزجرَنا القرآنُ فلم نزدجر، آياتٌ بيناتٌ وعظاتٌ نيراتٌ، ولكنها تذهبُ سُدى {وَكَأَيِّن مِّن آيَةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يَمُرُّونَ عَلَيْهَا وَهُمْ عَنْهَا مُعْرِضُونَ}.

  ما قيمةُ الحياةِ؟ وإن طابَ عيشُها، وطالَ مُقامُ أهلِها، وبعدَها يُجازى العبدُ بأدنى عذابِ أهلِ النارِ، وهو مَنْ له نعلانِ مِن نارٍ، يغلى منهما دماغُه، والمرءُ اليومَ لا يطيقُ وجعَ ضرسٍ من أضراسِهِ أو لسعةِ بعوضةٍ فما بالك بنعلٍ يغلي منه دماغُه، فإذا كان هذا هو أدنى أهلِ النارِ عذابًا، فما بالك بمن هو أعلى؟

  وأيمُ اللهِ لو سَلِمَ العبدُ من عقابِ النارِ لكفاه من العذابِ أن يشاهدَ المعذبينَ ويسمعَ صراخَهم وعويلَهم وبكاءَهم وأنينَهم، وغيرَ ذلك مما يُقَطِّعُ القلوبَ ويُفَتِّتُ الأكبادَ وتَضيقُ به النفوسُ ذرعاً.

  عبد الله:

  ارجِعْ معي إلى بعضِ آياتِ الكتابِ لنتعرفَ على مُجةٍ من لُجةٍ من أهوالِ النارِ وشرارةٍ من جحيمِ لظاها، لعلَّ القلوبَ أنْ تخشعَ وتؤوبَ، وترجعَ إلى علامِ الغيوبِ، قال علي # في وصفها: (نارٌ قعرُها بعيدٌ، وحرُّها شديدٌ، وشرابُها صديدٌ، وعذابُها جديدٌ، ومقامِعُها حديدٌ، لا يفترُ عذابُها، ولا يموتُ ساكنُها، دارٌ ليس فيها رحمةٌ، ولا تسمعُ لأهلِها دعوةٌ) يشكو أهلُها الحرَّ وألمَ القرَّ، فيتمنون البردَ والثلجَ، فيساقونَ إلى الزمهريرِ، فما أن يصلوه حتى تيبسَ الأعضاءُ وتجمدُ الأبدانُ، ثم تتشققُ من شدةِ البردِ وقرسِ الزمهريرِ، فيتمنون أن يعودوا إلى النارِ فيساقون إليها من جديدٍ وقيل: هل من مزيد؟

  وفيما يروى أن الشمس بعظمتها وشدة حرها ليست إلا صخرة من صخرات جهنم، فإذا كانت الأبدانُ لا تقدرُ على تحملِ حرِّها وهي بعيدةٌ عنا، فما بالك بحالِ مَن اقتربَ منها، وهي ليست إلا صخرةً من صخراتِ جهنمَ، فما بالك بجهنمَ التي هي جزءٌ منها؟ ما بالك بصخورِها وجبالِها، وأليمِ عذابِها.