الخطبة الثانية
  عبد الله، ما أشدَّ وأتعبَ تسلقَ الجبالِ في الدنيا، وما آلَمَ الصعودَ بين الصخورِ والأشواكِ، فما بالك إذا كان الجبلُ من نارٍ والصخورُ جمرٌ وشرارٌ، يصعدُ العبدُ العاصي فيه سبعينَ خريفًا إن وضعَ رجلَهُ ذابتْ، وإن رفعَها عادتْ، وإن وضعَ يدَهُ ذابتْ، وإن رفعَها عادتْ، فإذا وصلَ قمتَهُ رُمِيَ به إلى أسفلِه ليصعدَ من جديدٍ، وذلك قولُ اللهِ تعالى: {سَأُرْهِقُهُ صَعُوداً} إنه الصعودُ الذي خافَ منه الجنُّ واستجاروا باللهِ منه حينَ قالوا: {وَمَن يُعْرِضْ عَن ذِكْرِ رَبِّهِ يَسْلُكْهُ عَذَاباً صَعَداً}.
  ابنَ آدمَ ارجعْ إلى نفسِك وحاسبْها بجدٍ، ولا تغفلْ عما يُرادُ بك فإنَّ اللهَ صادقٌ في وعيدِه، ولا خُلْفَ لقولِه، ولا هوادةَ في حكمِه، ومن أصدقُ من اللهِ قيلا {اللّهُ لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَيَجْمَعَنَّكُمْ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لَا رَيْبَ فِيهِ وَمَنْ أَصْدَقُ مِنَ اللّهِ حَدِيثاً}
  فاعتبرْ يا عبدَ اللهِ
  بهذه النارِ الصغرى فإذا كنتَ لا تطيقُ حرَّها، ولا تصبرُ على شررِها، فما بالك بنارٍ قعرُها بعيدٌ، وحرُّها شديدٌ، إذا رُمِيَ الكافرُ من شفيرِها جلسَ يهوي في أعماقِها سبعينَ خريفًا، حتى يبلغَ قعرَها.
  ما بالك بنارٍ شررُها كالجبالِ الشاهقةِ، والقصورِ العظيمةِ، ترمي بشررٍ كالقصرِ.
  يا تُرى ما حالُ مَن سقطتْ عليه شرارةٌ من شررِها لتَرُضَّ عظامَهُ، وتدكَ بنيانَه، وتكتمَ أنفاسَه، وتجثْمَ على صدرِه كالجبلِ، يتحمَّلُ كاهلُه ثقلَها، ويعجزُ عن تحريكِها، ولا يرى بُدًّا منها، ولا يجدُ محيصًا عنها ليمكثَ تحتَ أنقاضِها يبكي خطيئتَه، ويتحسرُ على ما فرطَ فيه مِن عمرِه، دائمًا أبدًا لا يُخففُ عنه ثقلُها، ولا يُرحم لحرِّها، ولسانُ حالهم {سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِن مَّحِيصٍ}.
  عباد الله:
  إنَّ في النارِ ألوانًا وصورًا من العذابٍ كثيرةً وفي نفسِ الوقتِ شديدةً وفضيعةً، فإذا كان هنالك مَنْ يُعذبُ بالجبالِ صعودًا وهبوطًا وبين شررِها ولهبِها، ويسيرُ