سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 231 - الجزء 2

  وخلاصةُ القولِ أن الجنةَ نعيمٌ لا طاقةَ للسانِ أن يُعبّرَ عنه، فهي أعلى وأجلُّ من كلِّ ما ذهبَ إليه الخيالُ وفوقَ كلِّ ما يمكنُ تصورُه.

  جَرِّبْ أن تتخيلَ أعظمَ نعيمٍ وأجملَ وألذَّ حياةٍ فالجنةُ فوقَ كلِّ ذلك.

  عباد الله:

  إن تلك الدارَ الآخرةَ لهي الحيوانُ: هي الحياةُ الحقَّةُ، ومقعدُ الصدقِ.

  تأملْ قولَ اللهِ تعالى: {وَمَا هَذِهِ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا لَهْوٌ وَلَعِبٌ وَإِنَّ الدَّارَ الْآخِرَةَ لَهِيَ الْحَيَوَانُ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} فصرَّحَ تعالى بأن هذه الحياةَ ليستْ إلا لهوًا ولعبًا، وأن الآخرةَ لهي الحيوان، فمعنى ذلك أن هذه الحياةَ التي نحن مشغوفون بها متناحرون عليها إنها عبارةٌ عن لعبٍ فقط وحياةِ لهوٍ، بل ليست بحياةٍ، ولا تستحقُ أن تسمى حياةً، فهي أقربُ للموتِ والعدمِ من الحياةِ الحقيقيةِ، وأن موضعَ سوطٍ في الجنةِ خيرٌ من الدنيا وما فيها، ويكفينا أن نعرفَ بأن أدنى ما يمكنُ أن نصفَها به أن نقولَ أن غمسةً واحدةً في الجنةِ تُنسي كلَّ همومِ الدنيا، لما ورد في الأثرِ بأنه يُؤتى بأشدِّ الناسِ بلاءً وأكثرِهم في الدنيا فقرًا وحزنًا وبؤسًا فيُغْمَسُ فيها غمسةً واحدةً، فيقالُ له بعد ذلك، هل رأيت بؤسًا قط؟

  فيقولُ: لا.

  ما بالك بنعيمٍ يُنسيكَ كلَّ ما أصابَكَ من همومٍ وأحزانٍ ومتاعبَ من أولِ قدمٍ تضعُها في الجنةِ.

  فإذا كان مجردُ الدخولِ من بابِها وشمِّ رائحتِها يُنسي همومَ الدنيا، فما بالك بنعيمِها، والخلودِ فيها بين أشجارِها وأطيارِها وحورِها وقصورِها.

  يقول الله سبحانه وتعالى: {فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ وَما الْحَيَاةُ الدُّنْيَا إِلَّا مَتَاعُ الْغُرُورِ} فبين تعالى بأن المزَحْزَحَ عن النارِ الذي كان قابَ قوسين أو أدنى من دخولِها، ثم زُحْزِحَ إلى الجنةِ في أدنى مراتبِها، وأقلِّ منازلِها يعدُّ من الفائزين، فهذا هو الفوزُ الحقيقيُّ وأما الدنيا فإنها ليست إلا متاعَ