سبائك الذهب في المواعظ والخطب،

أحمد أحسن شملان (معاصر)

الخطبة الأولى

صفحة 232 - الجزء 2

  الغرورِ، فإذا كان أقلُّ الناسِ مرتبةً في الجنةٍ فائزٌ فماذا يُسمى من بلغَ أعلى المنازلِ في الفردوسِ الأعلى من الجنةِ.

  نسألُ اللهَ ألا يحرمَنا الجنةَ وأن يجعلَنا من أهلِها المخلدين فيها.

  عباد الله:

  إنها الجنةُ دارُ البقاءِ، والنعيمِ الدائمِ والحياةِ الخالدةِ.

  تأمَّلْ قولَ اللهِ: {إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَنَهَرٍ ۝ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيكٍ مُقْتَدِرٍ} فقد سمى اللهُ تعالى الجنةَ مقعدَ صدقٍ، ومفهومُ ذلك بأن هذه الدنيا ليست إلا مقعدَ كذبٍ بجنبِ الآخرةِ والحياةِ الحقيقيةِ.

  فليس الدنيا بجنبِ الآخرةِ إلا كالظلِ للأشياءِ، فكم الفرقُ بين الإنسانِ وظلِّه، وبين الحدائقِ والبساتينِ وظلالِها، بل إن الجنةَ أعظمُ من كلِّ ذلك.

  كيف لنا أن نُقارِنَ بين الدنيا الحقيرةِ والجنةِ العظيمةِ؟ كيف نقارنُ بين قصورٍ من طينٍ وقصور لبنة من ذهبٍ ولبنة من فضةٍ، وبين أشجارٍ من خشبٍ مشوكةٍ تثمرُ في العامِ مرةً مغروسةً بين أرضٍ سبخةٍ وبين أشجارِ الجنةِ التي أصولُها من ياقوتٍ غُرستْ بين ترابِ المسكِ أكلُها دائمٌ، تُسقى من ماءٍ غيرِ آسنٍ، كيف نقارنُ بين حورِ الجنةِ المخلوقاتِ من المسكِ والكافورِ وماءِ الوردِ وبين نساءِ الدنيا المخلوقاتِ من الطينِ والماءِ المهينِ؟ كيف نقارنُ بين عسلِ الدنيا الخارجِ من بطنِ ذبابةٍ وبين عسلِ الجنةِ الذي يتدفقُ من تحتِ جبالِ المسكِ؟ فشتانَ ما بين ذاك وذا، وفرقٌ كبيرٌ ما بين الآخرةِ والدنيا {فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}.

  عباد الله:

  إنَّ الجنةَ صنعٌ صنعَه اللهُ، وضيافةٌ أعدَّها تعالى فأحسنَ إعدادَها، وبناها فأتقنَ بناءها، وغرَسَها فأبدعَ نظامَها، وأنشأها على أكملِ هيئةٍ وأتمِّ صورةٍ، ومن شأنِ العظيمِ أن يكونَ ما أبدعَه عظيماً، ومن شأنِ العظماءِ أن تكونَ ولائمُهم وضيافاتُهم عظيمةً.